استثمارات السعوديين الأكبر في المنطقة
ليس غريباً أن يتصدر المستثمرون السعوديون قائمة الممارسين لمختلف الأنشطة الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي. فهؤلاء يتمتعون بقدرات استثمارية عالية مقارنة بنظرائهم الخليجيين، وسط فرص استثمارية متنوعة في جميع دول المجلس، خصوصاً في ظل الحراك التنموي الذي يجري في هذه الدول، إلى جانب الانفتاح المطلوب لجذب الاستثمارات بكل أشكالها. يضاف إلى ذلك المزايا التي يتمتع بها المستثمر الخليجي عموماً في "دول التعاون"، الأمر الذي يزيد من مستوى التقدم نحوها. مع ضرورة الإشارة، إلى أنه لا يزال هناك بعض الخطوات التي ينبغي أن تتخذ على صعيد الدول الخليجية العربية، من أجل مزيد من المزايا التي تصب في النهاية في مصلحة كل الأطراف. فعلى سبيل المثال، لا تزال هناك بعض المصارف الخليجية تضع عقبات مختلفة أمام الخليجيين لفتح حسابات لديها. ورغم أن هذه الأخيرة تختلف "من حيث النوعية" عن حسابات المستثمر، إلا أنها تمثل عائقاً ما.
اللافت أن الدول الخليجية الأكثر انفتاحاً على الصعيد الاستثماري، هي التي استحوذت على النسبة الأكثر من استثمارات السعوديين. ولذلك فلا غرابة في أن يتوصل التقرير الأخير الذي صدر عن الأمانة العامة لمجلس التعاون، إلى أن الإمارات تجتذب نحو 85 في المائة من رؤوس الأموال، وأنها منحت العدد الأكبر من التراخيص اللازمة للسعوديين وغيرهم. وهذا في حد ذاته، يعتبر عاملاً مشجعاً لغيرها من البلدان الأخرى في المجلس، لإقرار المزيد من التسهيلات، ولا سيما أنها تسعى "جميعها" إلى تنويع مصادر الدخل. فليس أفضل من المال الخليجي المستثمر في دول الخليج نفسها. فالبيئة هي نفسها، والأهداف تصل إلى مرحلة التطابق، وعوائد التنمية مهما كانت محلية، إلا أنها ستنشر فوائدها على المنطقة كلها. وإدارة المال إقليمياً أكثر أماناً من إدارته عالمياً، بصرف النظر عن العوائد الكبيرة التي قد تنجم من الاستثمارات العالمية.
لقد بلغت نسبة استحواذ المستثمرين السعوديين في دول الخليج 46 في المائة، وهي نسبة عالية، ويمكن أن تزيد في المرحلة المقبلة. وبعد أزمة البورصات الخليجية في منتصف العقد الماضي، ظهر كثير من المشاريع الاستثمارية في دول مجلس التعاون. فالأمر لم يعد أسواق مال فقط، بل أصبح منظومة اقتصادية شاملة، لا تزال تتشكل وفق المخططات الموضوعة لها. وهذا يعني أن الفرص حاضرة ومتجددة. ومع إزالة ما تبقى من العوائق، فإن نسبة المستثمرين السعوديين سترتفع بصورة كبيرة في المستقبل. ورغم أن عدد فروع المصارف التجارية الخليجية ارتفع في غضون 12 عاماً من سبعة مصارف إلى 24 مصرفاً، إلا أن هذا الارتفاع لا يزال دون المستوى المأمول. وقد لا يكون موازياً لطموحات الخليجيين. فلا تزال فروع المصارف التجارية الإماراتية أكثر عدداً من فروع مثيلاتها السعودية.
ليس هناك أفضل من تدوير الأموال الخليجية في الخليج، خصوصاً أنها تحقق العوائد الحقيقية. واندفاع هذه النسبة من السعوديين باتجاه المنطقة، ينبغي أن يقابله اندفاع استثماري خليجي نحو المملكة، التي تشهد تنفيذ أكبر الاستراتيجيات التنموية قاطبة، وتصنع في طريقها اقتصاداً مختلفاً عن الاقتصاد في مراحله السابقة. والتجربة الإماراتية في استقطاب الاستثمارات بكل أشكالها، بما في ذلك تسهيل منح التراخيص التي لا تتعارض مع القوانين المعمول بها، يمكن أن تشكل مؤشراً للتحرك نحو مزيد من التحرير للحراك الاستثماري في كل البلدان الأخرى في مجلس التعاون. دون أن ننسى، أن المملكة تبقى في المرتبة الأولى، ليس فقط في قدرة مستثمريها، بل أيضاً في الفرص الكبرى التي يمكن أن توفرها للمستثمرين غير السعوديين، وفي مقدمتهم الخليجيون.