جهاد أم فتنة؟

لعل أقل المجتمعات اعتباراً بالأحداث والفواجع والخيارات السيئة هو مجتمعنا. ليس أدل على ذلك من تكرار المشكلات والنكبات والكوارث في أكثر من مجال. تحدث المصيبة في مدرسة أو مستشفى أو حي أو منطقة، ويتوقع الواحد منا أن نعتبر ونتعلم وهو من أسس ومبادئ ومفاهيم ديننا الحنيف. إذ يقول نبي الهدى -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه عنه أبو هريرة -رضي الله عنه- "لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ". هذا حال عامة المؤمنين فكيف بعلمائهم؟
عندما ندمنا جميعاً على مهلك أبنائنا في مراحل متأخرة من الحرب الأفغانية، لأننا رأينا المسلم يقتل المسلم، لم يدرك أكثرنا أن الوطن أصبح على شفير نكبة داخلية. فقدنا أبناءً، واستنقذنا آخرين، لكن عدداً كبيراً منهم فقدوا فرصة إعادة التأهيل إما خوفاً، وإما بعد أن فقدوا اتجاههم وجرم رؤيتهم العالم.
جاءت التفجيرات التي عمت أرض المملكة لتذكرنا أن هناك خطأ ارتكب، وأن الهوية الوطنية والرؤية المنطقية للأمور أصبحت بعيدة كل البعد عن عقلية الشاب الذي اقتنع أن الجواري الحسان ينتظرونه عندما يفجر مرفقاً أو يقتل معاهداً. ظهرت مشكلة أكبر وهي نشوء ثغرات في الخطاب الديني تبناها غير ذوي علم فدفعوا بالشباب للغط والجهل والخروج على الراسخين من العلماء.
أهملت الجهات التربوية والتوعوية والإرشادية ما هو مطلوب منها في سبيل استرداد أبناء الأمة واستنقاذهم من أيدي مروجي التفجير والتفخيخ الذين وصل شرهم إلى مختلف مفاصل المجتمع.
جاءت الثورة السورية، فغدت المنابر ضحايا لمن هم أقل علماً، وبدأ الكل يلقي خطباً رنانة، ويدفع بالمزيد من الشباب إلى حرب جديدة، بغير علم عما يدور على الأرض. ذلك أن أياً منهم لم يدخل سورية ولم ير مفاهيم ورؤى الفرق المتحاربة، ومرادهم من دخول الحرب.
أفتى قوم بفرض الجهاد، لكن النظام تمكن من خلق فتنة بين خصومه فجعلهم يتحاربون فيما بينهم، ومع ذلك لم يتصد أحد للأمر ويقول توقفوا عن الذهاب إلى سورية، لأن القوم همهم المغانم والحكم. لتعود دورة التدريب والدفع بالشباب، ومن ثم استعادة من يعيش منهم ليكون خنجراً في خاصرة الوطن في المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي