«أرامكو» مدرب طوارئ
لا يليق بشركة أرامكو العملاقة، وهي تملك ما تملك من التاريخ المهني الحافل بالنجاح، أن تلعب دور مدرب الطوارئ للجهات الحكومية الفاشلة، فكلما فشلت جهة أو تعثرت في مشروع ما استدعينا "أرامكو"، وهي التي بالكاد تنوء بأحمالها.
"أرامكو" هي الحارس الأمين لمنتجنا "النفطي" اكتشافا وتكريرا وتسويقا، وهذه مهام في حد ذاتها كافية ولا تقبل التداخل مع غيرها مهما كان الأمر.
لكن المربك لنا ولـ "أرامكو" أنها اليوم باتت تدير مجموعة من المشاريع الخارجة عن مهمتها الأساسية بالنيابة عن جهات أخرى، وعلى سبيل المثال ما استنزفته "أرامكو" من وقتها ومن كوادرها خلال العام الماضي وهذا العام لتقديم مجموعة من البرامج التعليمية نيابة عن وزارة التربية والتعليم، وصرفت "أرامكو" عليها مئات الملايين، بدأت التجربة في بداية الأمر براقة ومتميزة، لكنها سرعان ما تلاشت وذابت تماما بعد تسليمها لإدارات تعليمية عديمة الرؤية وغارقة في الفشل والبيروقراطية وشبهات الفساد.
هذا ليس دور "أرامكو" على الإطلاق! هذا هو الدور الأساس لوزارة التربية والتعليم التي عليها أن تدعم وتبتكر مثل هذه البرامج وتمولها من ميزانياتها "المليارية" وإلا ما ذا تفعل فرق العمل واللجان ومئات المستشارين الذين ملأوا الدنيا ضجيجا بالحديث عن تطوير التعليم؟
وما ينطبق على وزارة التربية ينطبق على "الرئاسة العامة لرعاية الشباب"، التي أقحمت "أرامكو" في تنفيذ مشروع "ستاد الملك عبد الله الرياضي في جدة ولا أعرف كيف تعجز الرئاسة العامة لرعاية الشباب بطواقمها الإدارية والهندسية عن الإشراف على بناء ستاد رياضي"؟
"أمانة جدة" لم تترك "أرامكو" في حالها بعد أن غرقت في سيول الأمطار وسيول الفساد استعانت بـ "أرامكو" لترسم لها خريطة نجاة من الفشل والفوضى العارمة التي تعيشها.
أما وزارة التعليم العالي فحكاية أخرى من الفشل أنقذتها "أرامكو" ببناء جامعة الملك عبد الله "كاوست" بتصميم خلاق وبيئة تعليمية راقية بدءا من المبنى ومرورا بالمناهج والخطط العلمية واختيار الكفاءات وقيادة الجامعة في زمن وجيز جدا.
واكتمل الدور بجهاز الدفاع المدني الذي أشغل "أرامكو" مرة أخرى لإنقاذ طفلة في بئر ارتوازية ليغطي على فشله المستديم وأدائه البدائي أمام الرأي العام.
وأتمنى ألا نرى "أرامكو" غدا وهي تقوم بتقديم خدمات الرعاية الاجتماعية للتغطية على فشل وزارة الشؤون الاجتماعية، أو الإسهام في تنفيذ برامج الإسكان بعد تعثر مشاريع "وزارة الإسكان أو إعادة تخطيط المدن وتحسين الخدمات البلدية بالنيابة عن بعض الأمانات المتقاعسة عن دورها.
حضور "أرامكو" السابق في سيول جدة، ومشاريع التربية، ورعاية الشباب، وآبار الدفاع المدني، وحديث يثار هنا وهناك عن مشاريع وطنية ستشرف عليها "أرامكو" مستقبلا، واستمرارها في القيام بدور المنقذ لكل جهة فاشلة لن تحل مشاكلنا بقدر ما تعطي الآخرين فرصة لتكرار فشلهم والاعتماد على "مدرب الطوارئ" على أمل اللحاق بالفوز.
ليس ذنب "أرامكو" أنها أسست تجربة إدارية ناجحة وحافظت عليها طوال السنوات، لكن ذنب الجهات الفاشلة التي لا تجد مساءلة حقيقية وجادة، وأتيحت لها الكثير من فرص الدعم والتفوق لتعمل بكفاءة ومهنية، ولكنها خذلتنا واختارت أن تبقى في الطريق الرتيب ذاته لتعجز في النهاية عن إغلاق مجرى سيل أو إنقاذ طفلة في قاع بئر.