أبو كشاف بـ 8 آلاف
يستغل صغار الموظفين مواقعهم الوظيفية للتسلط على المساكين ممن يحتاجون إليهم. بعض هذه السلوكيات أضحت مثاراً للسخرية و"التنكيت". منظر مراقب البلدية الذي يدخل "البوفيه" الصغير ليفطر بالمجان مستغلاً صلاحيته الماثلة في الترخيص الذي يعلقه العامل في المحل، والمخالفة التي يمكن أن "يصفعه" بها إذا لم يكن على مزاج المراقب. أو يمر على محل الخضار أو البقالة ويحصل على مقاضي المنزل، أو حتى حصوله هو على ترخيص بأي اسم بناء على معرفته بالسوق وعلاقته التنظيمية به.
انتشار ممارسات كهذه على مكاتب التعقيب والمواطنين في الشوارع وغيرها من مناحي الحياة، جعل البعض يعتبرها "جائزة"، بل قد تصبح جزءاً من ثقافة المجتمع كما ينتشر في دول أخرى. يؤسفني أن أشاهد انحداراً شديداً في أخلاقيات الموظف العام، حيث أصبحنا نرى موظفين يبيعون مواد يفترض أنها تقدم للمواطن دون مقابل كمواد الترشيد واستمارات الخدمات وحتى أرقام الانتظار في الدوائر الحكومية.
أخطر من ذلك ما يمارسه بعض العاملين في السجون من وضع رسوم على الخدمات الممنوعة على السجناء، بل بيع بعض المنتجات المحظورة عليهم. يعاني كثير من الأسر التي لها أقارب يقضون محكومياتهم في السجون من مطالبة الحرس بمبالغ مالية مقابل أمور لا أفهم أسباب منعها.
يتقاضى الفاسدون من الحرس مبالغ خيالية مقابل هذه المخالفة. فمثلاً يدفع السجين ثمانية آلاف ريال لشراء أقدم وأرخص أنواع الجوالات، وهو ما يسمى "أبو كشاف" الذي لا يتجاوز سعره 200 ريال في السوق. تخيلوا أن تضطر أسرة فقيرة لدفع مبلغ كهذا للهاتف التافه. يدفع الأهالي مبالغ تصل إلى 100 ريال للسماح لهم بإدخال ملابس للسجين، المضحك أن تكلفة كبسة من المطعم الموجود خارج السجن تبلغ 300 ريال. يدفع السجناء لأن طعام السجن "ماصخ".
يهدف السجن إلى تنفيذ العقوبة بطريقة إنسانية وحضارية، فماذا يدفع السجين للدفع مقابل إدخال ملابس شخصية أو تناول طعام من خارج السجن. أما الأخطر فهو إمكانية أن يبيع الموظفون ممنوعات لأن من يفلت من عقوبة المخالفة الصغيرة، ستسول له نفسه ارتكاب مخالفة أكبر، وبيئة السجن مهيأة لذلك.