أين خدمة المجتمع في أرباح المصارف السعودية؟
لا شك أن خبراً عن نمو أرباح المصارف السعودية هو خبر مطمئن، خاصة أن جميع أموالنا مودعة في تلك المصارف، لكن الخبر يفقد الكثير من نكهته الاقتصادية؛ ذلك أننا نعرف إلى أي مدى يستند نجاح القطاع المالي في المملكة إلى الميزانية العامة للدولة وما تتضمنه من مصروفات ضخمة، ستكون محطتها الأخيرة في خزائن المصارف السعودية مهما تعرجت بها السبل. فتحقيق المصارف السعودية لنمو كبير في الأرباح، بل قياسي، أمراً لم يعد يثير شهية النقاش في المجالس العامة أو حتى في منابر الرأي الاقتصادي، لكن ما إن يأتي ذكر هذا الخبر حتى يبدأ السؤال التاريخي: ما حجم إنفاق المصارف السعودية على مسؤولياتها الاجتماعية؟ وما حجم الشراكة المجتمعية التي تقدمها هذه المصارف للمجتمع الذي تنهل منه موارده؟ وعلى الرغم من أن المصارف السعودية تحقق مستويات جيدة من السعودة، لكن مستويات الرواتب لشريحة من موظفيها السعوديين لم تزل محل تساؤل.
وإذا تجاوزنا إشكالية تكلفة المسؤولية الاجتماعية على المصارف، فإن مشاركة المصارف في مشاريع التنمية لم تزل أيضاً محل تساؤل، فالحلول التمويلية للمشاريع الصغيرة تفتقد الابتكار، وجميعها مجرد أفكار معلبة قد لا تتناسب مع المغامرين الشباب في المملكة، فجميع الحلول التمويلية موجهة أساساً إلى قروض شخصية لموظفين على أساس الحصول على ضمانات كبيرة، لكن الحلول أمام المستثمر الصغير غير موجودة مقارنة بسهولة الحصول على بطاقة ائتمانية، فحصولك على بطاقة استهلاكية من المصارف السعودية أمر سهل جداً، قد لا تحتاج إلى أكثر من فتح حساب، بينما الحصول على تمويل لمشروع صغير عملية معقدة غير مضمونة النتائج. الحصول على قرض استهلاكي قد لا يستغرق دقائق في أي بنك طالما الراتب متوافر لدى البنك، لكن حصول منشأتك الصغيرة (كمنشأة) على قرض تمويلي يمكن تصنيفه ضمن المعجزات. وإذا كان من الطبيعي أن ترى مصرفاً يعلن عن قروض استهلاكية أو بطاقات ائتمانية، فإنه من النادر جدا أن ترى إعلاناً لدعم مؤسسات صغيرة أو مصانع في مراحل إنتاجها الأولية.
قبل فترة، ظهرت برامج للحلول التمويلية، مثل "كفالة"، لكن هذا البرنامج يرتكز على الدولة كضامن أساسي للقروض، كالتي تمنحها المصارف للمؤسسات الخاصّة، وهكذا فلا توجد مشاركة فعلية من المصارف، فهي لم تقدم قروضها إلا من خلال ضمانات بنسبة تصل إلى 100 في المائة، وهذا معناه أن الدولة هي المقترض، على أن يسدد المواطن بدلاً عنها. حتى الآن لا توجد مبادرات من المصارف بشكل مباشر مثلما تفعل مع القروض الشخصية والعقارية. من المناسب أن نذكر هنا أن السياسات التمويلية من أكبر الحوافز التي يمكن تقديمها لتوجيه الاقتصاد نحو مناطق معينة أو قطاعات صناعية مطلوبة، وعلى الرغم من أنه لم تظهر لنا حتى اليوم بوادر خطة تنموية صناعية تشارك فيها جميع القطاعات، إلا أن المصارف يمكن أن تسهم بالكثير في هذا الجانب فيما لو تحركت نحو تقديم قروض وحلول تمويلية لصناعات معنية لها سوق فاعلة تضمن نجاح نسبة كبيرة من المستمرين الصغار، وهذا النجاح هو أكبر ضامن للمصارف.
بالتأكيد أن شهية المصارف مفتوحة تماماً نحو القروض الاستهلاكية الأكثر ضماناً مع حلول تحويل الراتب وبرنامج سريع، لكن التنويع الاقتصادي الذي ننشده لن ينجح طالما المصارف تنظر إلى الاقتصاد السعودي على أنه اقتصاد استهلاكي، ثم تعزّز ذلك من خلال قروض ضخمة لا يستغرق الحصول عليها سوى دقائق، وبينما تجد طابوراً طويلاً أمام التمويل الاستهلاكي، فإن بالكاد تجد مَن يقف أمام التمويل الاستثماري، ومن الغريب أن في نهاية اليوم تجد الجميع قد حصل على التمويل الذي يرغبه، بينما لم يزل طابور التمويل الاستثماري على حاله لم يتحرّك فيه أحد، بالتأكيد الصورة كئيبة، تجعل أفضل العقول الابتكارية وأكثرها مغامرة يبحث عن حلوله في التمويل الاستهلاكي، في تشويه كبير وواسع لمعنى كلمة مصرف.