الإنذار النووي المبكر .. وفتح الأوراق
تأخّر إقرار إنشاء شبكة إنذار مبكر لرصد التلوّث الإشعاعي والنووي في منطقة الخليج، خصوصاً عندما تربط هذه المسألة بالنشاط النووي الإيراني الذي يعود إلى أكثر من عقد من الزمن، في حين أن الحراك النووي في دول الخليج العربية بدأ حديثاً وتحت إشراف دولي عالي الجودة من حيث المراقبة والصيانة وتقليل مسبّبات أي حادث قد يقع في النشاط النووي. والمصيبة الكبرى أن نشاط إيران النووي هو الأقرب لمنطقة الخليج العربية حتى من العمق الجغرافي الإيراني نفسه، الأمر الذي يضع دائماً دول الخليج العربية في دائرة الخطر الدائم والداهم. دون أن ننسى أن المنطقة التي يطبق فيها برنامج إيران النووي نشطة من حيث الزلازل، منذ أن بدأ توثيق وتأريخ هذا النوع من التفاعلات الطبيعية.
هذا لا يعني أن المخاطر من جانب الحراك النووي الخليجي السلمي الواضح تساوي صفراً. المخاطر موجودة في كل شيء وفي أي شيء، لكن الفارق هنا أن البرامج النووية التي تخضع لمراقبة دولية متقدمة تكون عادة أقل عُرضة للحوادث من تلك التي تعاني شحاً واضحاً في معايير السلامة لأسباب عديدة، منها قلة الخبرات، ومعها قلة الاستثمارات. في العام الماضي- على سبيل المثال - تأخّرت رواتب العاملين في مفاعل بوشهر الإيراني، بسبب الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد، من جرّاء العقوبات الدولية المفروضة عليها. ومن هنا كان من الواجب على المجتمع الدولي كله أن يدفع في اتجاه إنشاء شبكة إنذار مبكر لرصد التلوّث في الخليج، منذ سنوات عدة. فمياه المنطقة ليست زاخرة بالثروات السمكية فحسب، بل تمثل مصدراً أولياً للمياه العذبة عن طريق عمليات التحلية الهائلة التي تعتمد عليها دول الخليج العربية.
يبدو أن إيران ستتعاون في هذا المجال، على الأقل من الناحية النظرية (حتى الآن)، وهذا ضروري جداً، إنها المصدر الأكثر خطراً، وإذا كان بالإمكان اللعب والمناورة في مسائل عديدة أخرى، بصرف النظر عن الأضرار السياسية والأمنية الناجمة عنها، فإن المناورة واللعب في قضية النشاط النووي ينبغي أن تكون محرّمة بلا نقاش أو جدل. إن خطأ بسيطاً واحداً في مفاعل نووي مضطرب مالياً و"خبراتياً" وطبيعياً، بل يتم تقاذفه سياسياً على الساحة الداخلية الإيرانية، سينال من المُدان والبريء في آن معاً. وهذا أحد أهم الأسباب التي تدفع في اتجاه إقرار سريع لشبكة الإنذار المبكر. ومع قبول إيران (من حيث المبدأ) التعاون مع القوى العالمية في برنامجها النووي المريب، فإن الأمر سيكون أكثر سهولة، إذا صدقت بالطبع النيّات الإيرانية. فنيّات صُناع القرار الإيراني، لم تكن طيبة حيال المنطقة في يوم من الأيام. وهي في النهاية تخضع للمشروع الخميني المروّع.
إن منطقة بحر "روبمي" المكوّنة من دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، تتعرّض للمخاطر في الدرجة الأولى (وربما الأخيرة) من مفاعل بوشهر الإيراني. وستشملها الشبكة المزمعة، وهذا أمر جيد للغاية، خصوصاً أن محطات المراقبة الأربع ستتوزّع ضمن الشبكة المشار إليها على البحرين والكويت ومضيق هرمز والساحل المقابل للمفاعل الإيراني المذكور. لا شك أن التعاون الإيراني في هذا المجال محوري، ولكن الأهم أن يكون هذا التعاون صادقاً؛ ليس من أجل دول الخليج العربية فحسب، بل من أجل إيران وشعبها، بل المنطقة والعالم أجمع. إن القضايا النووية لا يمكن التعاطي معها كشأن داخلي، حتى في الدول الكبرى التي امتلكت النووي منذ عشرات السنين. وعلى إيران الآن أن تفتح أوراقها الحقيقية، لا المزوّرة، على الصعيد النووي من أجل مساعدتها، وتوفير أفضل مستوى من الأمان النووي في منطقة تعتمد بصورة رئيسة على مياهها الإقليمية.