أمنت العقوبة.. فتعسفت

في زمن مضى كانت المدارس الخاصة حكرا على الأغنياء، وتعد جزءا من الرفاهية التي ينعمون بها دون غيرهم، ولكن ومنذ فترة ليست بالقصيرة لجأت لها بعض الأسر متوسطة الدخل لأسباب عدة؛ من أهمها رداءة التعليم الحكومي.
تلك الأسر لجأت للمدارس الخاصة رغم تدني الملاءة المالية، وهو ما نتج عنه "تعثر" في سداد الرسوم، الأمر الذي دفع إدارات المدارس إلى حجب نتائج الطلاب المتعثرين، بل زادت في "تعسفها" بحجز ملف الطالب عند الرغبة في الانتقال، أو منعه من الانتظام في الدراسة، وهو ما يؤثر فيه علميا ونفسيا.
وزارة التربية والتعليم تنبهت للأمر وحذرت تلك المدارس وتوعدتها بأقسى العقوبات في حال حجب النتائج، وقالت في تعميم على إدارات التعليم في جميع المناطق إن التنظيمات القائمة لا تجيز حجز ملف الطالب أو عدم تسليمه نتائجه بسبب عدم سداده الرسوم الدراسية، ويمكن للمدرسة المطالبة بالمستحقات لدى الجهات المختصة دون إلحاق أي أذى تربوي أو نفسي بالطلاب.
تحذيرات الوزارة وتهديداتها لم تتجاوز خطاب "التعميم"، الذي افتقد العقوبات ومن ثم "الهيبة"، فما زالت المدارس الخاصة مستمرة في حجب النتائج عن المتعثرين، ومنعهم من الدراسة وحجز ملفاتهم ما لم يتم السداد.
قال لي صديق إن إدارة المدارس الخاصة التي يدرس فيها ابنه أبلغته بحجب نتائجه في الفصل الدراسي الأول لهذا العام بسبب تعثره في دفع الرسوم، بل رفضت أيضا منحه الرقم السري الذي يمكن من خلاله الاطلاع على نتائجه عبر برنامج "نور".
الصديق لم يصدق خبرا وتسلح بقرار وزارة التربية والتعليم، القاضي بمنع المدارس من حجب نتائج الطلاب المتعثرين في السداد، ودخل على المدير الإداري للمدارس قائلا له: كيف لك أن تحجب نتيجة ابني وهو تصرف يخالف تعليمات وزارة التربية والتعليم؟ ردة فعل المدير كانت صدمة للصديق عندما قال له بلهجة صارمة "اذهب للوزارة وخلها تنفعك، وإن لم تسدد سيمنع ابنك من دخول المدرسة عند بداية الفصل الدراسي الثاني".
حالة الحجب لابن صديقي ليست قضية فردية طالته وحده، بل هي قضية عامة تطول كثيرا من الطلاب، وما تطرحه الصحف دوما ووسائل التواصل الاجتماعي خير شاهد. وبودي أن أسأل سؤالا عجزت عن إيجاد إجابة عنه: من يقف خلف تلك المدارس ويمنحها القوة للقفز على الأنظمة والقوانين، ويجعلها تحجب النتائج وتمنع الطلاب المتعثرين من الانتظام في الدراسة، ورفع رسوم الدراسة بنسب مهولة دون حسيب أو رقيب؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي