السلطة الرابعة محاصرة
يحاول الصحافيون أن يقابلوا المسؤولين بكل الوسائل، والحصار واحد من هذه الوسائل. يستغل الصحافي كل الفرص المتاحة لمقابلة المسؤول. لعل أفضل المواقع هي المؤتمرات والمعارض، حيث لا يستطيع أغلب المسؤولين أن يهربوا من الأسئلة.
يتوجّه الصحافي للمؤتمر حاملاً الكثير من الأسئلة، ويحاول أن يحاصر المسؤول في مكان لا يستطيع أن يهرب منه، كبهو الفندق أو قاعة المؤتمر أو المداخل التي يتواجد فيها الناس. ثم تبدأ المهارة في استخراج المعلومات التي يريدها الصحافي، وهي مهارة لا يجيدها إلا قليل.
كنت أشغل في الماضي وظيفة مسؤول علاقات عامة، وكانت الرقابة على الصحافيين مهمة شاقة، خصوصاً أصحاب التصميم. إلحاح الصحافي وحصوله على معلومات لم تتوقع حصوله عليها، يغيّر الحال فيصبح مسؤول العلاقات العامة محاصراً من قِبل الصحافي.
الحصار يقع على كل المسؤولين، لكن البيئة وارتفاع سقف الحريات يختلف. المسؤول الأجنبي يقف ليتلقى الأسئلة مجبراً لأنه مطالب بذلك، ولأن ردة فعله محسوبة عليه، بل إن بقاءه يعتمد في أحيان على علاقته مع الجمهور التي يمكن أن يضر بها سلوكه تجاه وسائل الإعلام.
أذكر أن أحد الزملاء كتب مقالاً يعاتب فيه أحد المسؤولين عندما لم يتحقق وعده أن ينجز مشروعاً معيناً خلال مدة لا تتجاوز 180 يوماً. كتب الزميل مقالاً بعد مرور 500 يوم، والعهدة عليه، فبعد الـ 500 يوم لم يكن قد أُنجز من المشروع سوى وضع الصبّات الخرسانية، وإقفال الشارع، وتحويل المسارات، ووضع ثلاث مُعدات في الموقع تمارس عملية حفر وجه الشارع.. مجرد حصار على حركة المرور.
يلاحظ المراقب للسلوك العام والمنشآت العامة أن مفهوم الحصار متعمّق في غير مكان، المدارس والمساجد والمستشفيات، حتى أمام المطاعم لا يسلم السائق ممَّن يحاصره دون أن يفكر في فك الحصار حتى يحصل على طلبه. استخدام التحويلات والصبّات الخرسانية يعطي مؤشراً لحجم الحصار السائد في المجتمع. حالة طبيعية في مواقع، وغير طبيعية في أخرى، لكن أن تصل إلى منافاة المنطق، فذاك ما يمثله الحصار الذي نشاهده على مقار الصحف اليومية، وهي التي تسهر لتنقل معاناة وشكوى ورغبات المواطن.