مصارفنا .. والنزعة الاستهلاكية
من أكبر التحديات التي تواجه استقرار الأغلبية العظمى من المواطنين وأسرهم في المملكة مشكلة الديون المصرفية، حيث تشير بعض التقارير إلى أن أكثر من 85 في المائة من السعوديين مدينون للبنوك وهم أشبه بالرهائن بين يديها، وبلغ حجم ديون المواطنين السعوديين للمصارف 246 مليار ريال ("العربية" الإثنين 14 رجب 1433هـ)، الأمر الذي حدا ببعض المختصين الاقتصاديين إلى المطالبة بإنشاء "صندوق" للمتعثرين يتم تمويله من خلال استقطاع جزء من أرباح المصارف لمعالجة أوضاع المواطنين، على اعتبار أن القطاع المصرفي هو المسؤول عن إغراق المجتمع بالديون الاستهلاكية، وعليه بالتالي أن يتحمل مسؤوليته تجاه المعسرين من خلال تشكيل ذلك الصندوق.
وارتفع حجم إقراض الأفراد منذ عام 1999 من 11 مليار ريال إلى 341 مليار ريال بحلول النصف الأول من عام 2013، "بحسب طلعت حافظ الأمين العام للجنة الإعلام والتوعية المصرفية في البنوك السعودية".
ومسألة إنشاء "الصندوق" -في رأيي- ليس بالعلاج الناجع على المدى البعيد بقدر ما هو مخدر موضعي سيزول أثره سريعاً ويظل الداء في مكانه، ومكمن الداء يتمحور في: النزعة الاستهلاكية القوية، وضعف ثقافتي الإنتاج والادخار.
وعلى الرغم من الأرقام القياسية التي تحققها المصارف السعودية في أرباحها السنوية وهو حق مشروع، إلا أن مصارفنا تعمل وكأن لا وظيفة لها سوى الإقراض والتسليف، مهملة أو مُغيِّبة تماماً جانب الادخار والتوفير، ولعل أبرز مؤشر يظهر أولويات تلك المصارف أن نسبة الإعلانات والعروض الترويجية الخاصة ببرامجها الادخارية -إن وجدت- لا تكاد تذكر قياساً بتلك التي تدعو وتروج للاقتراض واستخراج البطاقات الائتمانية.
وكانت مؤسسة النقد السعودي قد حذرت البنوك المحلية في وقت سابق من مغبة رفع سقف حجم القرض الاستهلاكي المقدم إلى الأفراد.
وإذا لم تبادر المصارف من تلقاء نفسها، يجب أن يتم الضغط عليها من أجل تفعيل مسؤولياتها تجاه المجتمع، بحمايته مسبقاً من الأخطار، وعدم جره إلى مستنقع الديون، قبل أن تساعده في حال الإعسار، بشطب الدين أو إعادة جدولته، أو خفضه.
هذا يقودنا إلى التساؤل: ماذا تنتظر المصارف؟ أعتقد أن هناك مسؤولية أكبر على المصارف تجاه المجتمع، يأتي في مقدمتها التثقيف المالي للعملاء وتعريفهم بحقوقهم ما لهم وما عليهم، الأمر الذي سيعود بشكل إيجابي على المصارف على المدى البعيد. كما أن التصرف المسؤول من المصرف سيكسبه قيمة إضافية في المجتمع وأمام العملاء، وكذلك يعزز موقعه التنافسي أمام المصارف الأخرى.