لا تجرحها
تشاجر معها تلك الظهيرة صارخا في وجهها: لم تعودي تلك المرأة الفاتنة التي سحرتني بجمالها، "شوفي" ملابسك وشكلك وأصابعك اللي صارت مثل قشرة برتقالة معصورة، ما عندك أي اهتمام بنفسك. وقبل أن يخرج من المنزل "صفق" الباب وراءه بغضب. لم تكن بحاجة لتتفحص شكلها في المرآة فهي تدرك أنها دفنت نفسها منذ عشر سنوات تحت ركام مسؤوليات الأسرة وحدها، فقد كانت رحلتها الماراثونية اليومية تتطلب منها ذلك، تصحو فجرا تعد الإفطار، توقظ طفليها الكبيرين، تساعدهما على ارتداء ملابسهما، تسرح شعريهما تعد لهما "فسحة" المدرسة وتتأكد من وجود جميع أغراضهما في حقيبتيهما، ثم بعد مغادرتهما بحافلة المدرسة، تبدأ في إيقاظ زوجها، ولأن نومه ثقيل "كالدببة القطبية" فإنه يستهلك الكثير من طاقتها قبل أن يستيقظ، ثم تبدأ في تجهيز صغيرها وحقيبته حيث تذهب به للحضانة القريبة من عملها، وحين تعود ظهرا تبدأ في تجهيز الغداء، وترتيب المنزل، ومراجعة الواجبات المدرسية لطفليها، وفك "المشاجرات" بينهما حرصا على الهدوء كي لا ينزعج أبوهما في قيلولته، وفي المساء تحضر وجبة العشاء، وحين ينام الجميع تهدهد صغيرها حتى إذا نام بدأت في الغسل والكوي، والتنظيف اليومي الذي لا تستطيع أداءه وصغيرها مستيقظ، وعند منتصف الليل ترتمي على فراشها كإسفنجة خاوية "معصورة".
مر بها شريط رحلتها الماراثونية اليومي وكفاحها وحدها في ظل تخلي زوجها عن مسؤولياته. لم تكن تلك الملاحظة التي أبداها لها في تلك الظهيرة مجرد ملاحظة في نظرها، بل كانت جرس إنذار جعلها تقيم حياتها من جديد، وحين عاد الزوج مساء كان المنزل يموج بفوضى عارمة والأطفال لم يناموا، والرضيع يتعالى صراخه، بحث عن زوجته فوجدها تجلس قبالة مرآتها وقد ارتدت فستانا حريريا أزرق وهي تتزين وتتعطر وتتأمل جمالها، قال مندهشا: تتركين المنزل يعج بهذه الفوضى وتتزينين ببرود؟
قالت بثقة: زوجي الحبيب "أبغى شغالة" ما عدت أتحمل "شغل" البيت، وعلى فكرة "بكره" حجزت عند المشغل ببرنامج شهري للاعتناء بالبشرة واليدين، واتفقت مع زميلتي على التسجيل في ناد رياضي.
وخزة
يقول محمود درويش "أن نكون ودودين مع من يكرهوننا وقساة مع من يحبوننا، تلك هي دونية المتعالي وغطرسة الوضيع".