المستثمرون الزراعيون .. واجبات لا خيارات فيها
من الطبيعي أن تحظى السوق السعودية بالأولوية في تصدير المنتجات الزراعية للمستثمرين السعوديين في الخارج. فالمسألة في البداية والنهاية وطنية صرفة، ليس من ناحية عاطفية، بل من جهة عملية واضحة ومحددة، تتمثل في مبادرة الملك عبد الله للاستثمار الزراعي في الخارج. فهذه المبادرة تمول المشاريع الزراعية للسعوديين، والعائد المرجوّ منها، ليس أقل من استفادة السوق السعودية المحلية من التمويل والدعم، "الذي يشمل أيضاً التسهيلات اللوجستية في هذا القطاع"، اللذين يشكلان محوراً رئيساً على صعيد التنمية، ومعها الاستراتيجية الخاصة بالاكتفاء الغذائي، تمهيداً بالطبع إلى المرحلة الأهم، وهي الأمن الغذائي. لا يعقل بأي حال من الأحوال، أن تمول الدولة مشاريع وطنية، دون أن يستفيد الوطن منها أولاً! وإذا ما أراد المستثمرون العمل بمفردهم دون الدعم الحكومي، فهم أحرار في تصدير إنتاجهم إلى أي مكان يشاءون. لكن عليهم ألا يكونوا جزءاً من منافع مبادرة الملك عبد الله.
والحق أن الشروط التي وضعتها وزارة الزراعة السعودية للمستثمرين الزراعيين السعوديين الذين يتلقون دعماً وتمويلاً من الدولة، ليست صعبة، بل هناك من يرى أنها أقل مما يجب. فهي حددت تصدير 50 في المائة من إنتاجهم الزراعي إلى المملكة، إذا ما طلبت الجهات الرسمية المختصة ذلك. وكان بالإمكان أن تكون النسبة أعلى من ذلك. غير أنه يبدو واضحاً أن المسؤولين أرادوا أن يبثوا إشارات إيجابية مشجعة للمستثمرين ويذكروهم بأنه لولا التمويل الذي تنص عليه المبادرة الزراعية المشار إليها، فإن نسبة كبيرة منهم لن تحقق أهدافها الاستثمارية، باستثناء أولئك الذين وُجدوا في القطاع الزراعي منذ سنوات طويلة، وحققوا قفزات كبيرة. دون أن ننسى أن الأمر لا يرتبط فقط بتمويل حكومي، بل باتفاقات مع الدول المستهدفة بالاستثمار الزراعي، تسهل وتحمي الحراك الاستثماري الزراعي السعودي فيها.
وعلى هذا الأساس، فمبادرة الملك عبد الله الزراعية ليست قاصرة على التمويل، بل على الحماية والدعم على اختلاف أنواعه، والاستشارات الضرورية، والمعلومات المحورية. إنها عملية متكاملة يستفيد منها المستثمرون بلا شك، ومن واجبهم أن يستفيد الوطن بدوره منها مباشرة. وإذا كان التمويل مربوطا بأولوية التصدير الزراعي إلى السعودية، فإنه ينبغي أيضاً أن يكون متصلا بالأفضلية السعرية. فالأرباح العالية حق كل مستثمر، لكن في هذه الحالة ليست كذلك، لأن رأس المال آت في الواقع من المستهلك السعودي نفسه، الذي يحق له ببساطة التمتع بأفضلية الأسعار. فليس منطقياً أن تكون أسعار المستثمر الزراعي السعودي الذي يستفيد من تمويل حكومي مساويةً لأسعار أي مستثمر آخر، أو أي مصدر زراعي، وإلا لكانت المملكة اكتفت بشراء احتياجاتها الزراعية والغذائية مباشرة من موردين ومنتجين حول العالم. مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن صندوق التنمية الزراعية السعودي، يتعاطى مع كل المستثمرين السعوديين بصورة عادلة في منح التمويل، وغير ذلك.
هناك 31 دولة مستهدفة في الاستثمار الزراعي السعودي، وكلما ارتفع عدد هذه الدول ضمنت المملكة تنوعاً زراعياً يمكنها من تفادي أي عقبات قد تظهر هنا وهناك. ولأن الاستثمار الزراعي في حد ذاته ليس مرغوباً بما يكفي، فإن مبادرة الملك عبد الله كانت ضرورية جداً، في وقت بات الأمن الغذائي يشكل هاجساً كبيراً، بل مخاطر ظاهرة، وبعضها الآخر يظهر بصورة فجائية. وإذا لم يتعاون المستثمر السعودي، "المدعوم" تمويلياً ولوجستياً من الدولة، فمن الطبيعي أن يتحول الدعم فوراً إلى مستثمر آخر، يعرف أنه يخوض غمار قطاع وطني استراتيجي، وعليه واجبات لا خيارات فيها.