المجلس الاقتصادي الأعلى: قيادة الاقتصاد السعودي نحو نموذج متطوّر
الاقتصاد يمثل الجهاز التنفسي للأمم، ومن دونه ستقف حركة جميع الأعضاء، وتنهار الأمة. والاقتصاد بشكل عام يسعى للوصول إلى أفضل نموذج لتوزيع عوائد الإنتاج على كل الموارد التي أسهمت فيه، وفقاً لما تنص عليه الشرائع والقوانين السائدة، وبما يضمن بقاء تلك الموارد قادرة على العودة إلى الإسهام في الإنتاج مرة أخرى. ولدوره الخطير في بناء الأمم انقسم العالم إلى مدارس اقتصادية متعدّدة أدّت إلى صراعات فكرية وسياسية هائلة. من أجل هذا يجب أن تهتم أي دولة رشيدة بشأن التوجّهات الاقتصادية العامة، التي تبني من خلالها تحالفاتها الاستراتيجية مع العالم، ولبناء تلك التوجهات والإشراف عليها ورقابتها يجب أن تشكل الدول مجالس خاصّة ومراكز علمية متخصّصة وكراسي بحثية دائمة.
والمملكة بحكم موقعها الاقتصادي العالمي وتأثير قراراتها في اتجاهات أسعار البترول، وبالتالي أسواق النفط ككل، ونظراً لأهمية الموضوع ورفعة شأنه، فقد أُنشئ المجلس الاقتصادي الأعلى برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ليضع ويرسم الفلسفة والسياسات الاقتصادية التي تستند إليها المملكة ويفسر العلاقات بين جميع الأطراف الاقتصادية، كما أقرّ تنظيم المجلس أن يكون نائب رئيس مجلس الوزراء هو النائب لرئيس المجلس الاقتصادي الأعلى، كما يضـم المجلـس تلك الوزارات التي لها علاقة بعناصر الإنتاج كوزارة البترول والثروة المعدنية، ووزارة العمل، والمالية، ومؤسسة النقد العربي السعودي، إضافة إلى الوزارات المسؤولة عن تنظيم عمليتَي الإنتاج والاستهلاك معاً كوزارة التجارة والصناعة، ووزارة المياه والكهرباء، إضافة إلى الاقتصاد والتخطيط.
لهذا كان من الطبيعي أن تأتي المادة الخامسة من تنظيم المجلس لتحدّد اختصاصه في بلورة السياسة الاقتصادية وصياغة البدائل الملائمة والتنسيق بين الجهات الحكومية التي تتصل أعمالها مباشرة بالاقتصاد الوطني لتحقيق الترابط والتكامل بين أعمالها، واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لذلك. وله متابعة تنفيذ السياسة الاقتصادية وما تقضي به قرارات مجلس الوزراء في الشؤون والقضايا الاقتصادية، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لذلك، ورفع تقرير دوري بذلك إلى مجلس الوزراء.
المجلس بهذا كله يعد المفكر الرئيس للحركة الاقتصادية في المملكة، كما أن العلاقات بين الوزارات ذات الشأن الاقتصادي تخضع جميعها لرقابة هذا المجلس وتناقش أعمالها كوحدة واحدة تحت مظلته، والمجلس من أجل تحقيق هذا المستوى الرفيع جداً من الأداء ولتحقيق أهدافه يعمل بآلية خاصّة، حيث يشكل لجنة دائمة "تجتمع أسبوعياً"، وتشكيل هذه اللجنة من الشخصيات المهمة يشير أيضاً إلى مدى اهتمام الدولة بعمل هذا المجلس ولجانه وقوة قراراته وتأثيرها، وما يشهد بذلك، تلك التحولات الاقتصادية التي تمر بها المملكة بهدوء وحزم نحو تحرير وتخصيص عديد من القطاعات، مثل المياه والاتصالات والنقل الجوي وخدماته، ولعل آخر تلك القرارات التي يتابعها المجلس هو تنفيذ تخصيص مطاحن الدقيق. وكان للمجلس حضور بارز من خلال التنسيق والتكامل بين جميع قطاعات الاقتصاد للعمل بحكمة وهدوء، لمواجهة الأزمة العالمية ونتائج الربيع العربي التي قادت معظم دول العالم إلى مشكلات هائلة بينما بقيت المملكة، بفضل الله، ثم بفضل الحكمة الاقتصادية التي تُدار بها الأمور، في أمانٍ من كل تلك التأثيرات الخطيرة.
بقى أن نشير إلى أن المجلس إحدى الخطوات التي اتخذتها الدولة للإصلاح الاقتصادي في نهاية التسعينيات لرفع كفاءة إدارة الاقتصاد، وها نحن الآن نجني الآثار الإيجابية التي ربما لا تبدو واضحة جلية أمام العامة، لكن كل متابع ومراقب يعي جيداً ما الذي جناه الاقتصاد السعودي في مرحلة ما بعد تأسيس المجلس الاقتصادي الأعلى.