لماذا تفشل برامج التطوير الإداري؟
تشرع المنظمات في تبني برامج التطوير الإداري عندما تعجز عن تحقيق أهدافها وتتباطأ خطواتها فتظن أن هناك قيودا إدارية تقيد حركتها وتحد من انطلاقها. ورغم أن كثيرا من المنظمات تتبنى التطوير الإداري وتشكل اللجان وتعقد الاجتماعات وتبذل الأموال، إلا أن كثيرا من هذه البرامج تفشل في عملية التطوير فلا ترى أي تغيير إيجابي وتظل تعاني الأعراض نفسها. وهناك قاسم مشترك يعد السبب الجوهري لعدم استفادة المنظمات من برامج التطوير الإداري ألا وهو أن أغلبية المنظمات تعهد بمهمة التطوير إلى طاقم إداري من منسوبيها، أي تشكل لجنة جميع أفرادها من داخل المنشأة تتولى عملية التطوير، وهذه هي البداية الخطأ. فكي تستفيد المنظمات من برامج التطوير الإداري يجب أن يعهد بمهمة التطوير إلى مكاتب خارجية أو لجان محايدة من خارج المنظومة الإدارية تتولى عملية التخطيط وجمع البيانات وتحديد مشكلات المنظمة الإدارية وتقترح الحلول بحيادية دون محاباة أي جهة داخل المنظمة، وتبقى وظيفة إدارة التطوير الإداري جهة تنفيذية تطبق توصيات الفريق الاستشاري.
فلجان التطوير الداخلية قد تحابي مجلس الإدارة وصانعي القرار في المنظمة خوفا على هيئتها وبقائها فتصول وتجول في كل مكان، لكن عندما يختص الموضوع بمجلس الإدارة أو المدير التنفيذي تتوقف طوعا أو كرها، لهذا فهي لا تعمل بحيادية لأنها تخشى على مصالحها إن هي بينت الحقائق أمام المجالس القيادية. كما أنه ليس من الحكمة الاستعانة بمن تربى في أحضان التخلف الإداري وجعلهم متزعمين لموجة التطوير والتغيير، ففاقد الشيء لا يعطيه. كما أنهم لا يرون المشكلات كما يراها من هم في خارج المنظمة، إضافة إلى أن أغلبية منسوبي المنظمة إذا تولوا عملية التطوير والتغيير يضعون الخطط وفقا لمصالحهم الحالية والمستقبلية ولن يكونوا أمناء بالشكل الكامل مما لو تولى ذلك فريق عمل خارجي محايد يتولى عملية التطوير والتنفيذ دون خوف أو وجل من أي جهة.
لهذا إذا أرادت المنظمات التطوير الإداري بالفعل فعليها أن تستعين بمكاتب خارجية أو تكوين فريق عمل من خبرات تأتي بها من خارج بيئتها التنظيمية وقد يتم تطعيمها بعناصر مؤهلة من الداخل. ويجب أن يتضمن فريق العمل الاستشاري عدة أفراد متخصصين في الإدارة والتنظيم والمالية والتسويق ونظم المعلومات الإدارية، إضافة إلى خبرة في كيفية صياغة الرسالة وتحديد الرؤية وعمل الخطط والاستراتيجيات.
والآن دعونا نلقي الضوء على المراحل التي تقوم بها لجان التطوير الإداري المثالية عندما تتولى دراسة المنظمات كي تنتشلها من كبوتها وتوجهها إلى الطريق الصحيح. يبدأ الفريق الاستشاري المكلف بالتطوير الإداري بدراسة المنظمة بشكل محايد عن طريق أخذ آراء منسوبيها من قمة الهرم إلى قاعدته، والاطلاع على السجلات والغور كثيرا في الأجزاء الدقيقة للمنظمة واللقاء مع عينات من منسوبي المنظمة فرادى وجماعات، وقد يستغرق العمل هنا أشهرا عدة حسب كبر حجم المنظمة وأنشطتها وفروعها، وتسمى هذه المرحلة مرحلة ''جمع البيانات'' والبعض يطلق عليها مرحلة ''المسح والاستطلاع العام''.
وفي نهاية هذه المرحلة يقوم الفريق الاستشاري بكتابة تقرير إلى مجلس الإدارة أو إلى المدير التنفيذي يصف فيه بالضبط حال المنظمة، فقط تقرير وصفي عن الواقع الذي تعيشه منظمتهم. كما يجب أن يحتوي التقرير على النشاط الفعلي للمنظمة وطبيعة عمل سجلاتها المحاسبية والدورة المستندية ثم يعرج التقرير على المستويات الإدارية بما تحويه من سلطات ومسؤوليات ونطاق إشراف بدءا من الإدارة العليا فالإدارة الوسطى فالإدارة التنفيذية، ثم يتطرق إلى الإدارات الرئيسة فيتم وصف عملها وصفا دقيقا دون نقد أو اقتراح حلول، فهذه المرحلة تسمى مرحلة ''المسح الشامل'' التي هدفها وصف الواقع ليس إلا.
تأتي بعد ذلك مرحلة ''الفحص والتشخيص''، وفي هذه المرحلة يقوم الفريق الاستشاري بدارسة المعلومات التي تم التوصل إليها من المرحلة السابقة مرحلة ''المسح الشامل'' ثم يقدم تقريره الثاني إلى مجلس الإدارة يبين فيه المميزات والنقاط الإيجابية، فكل منظمة مهما كان وضعها الإداري سيئا ولا تملك مقومات العمل إلا أنه لا بد أن توجد فيها مميزات، لذا يتحتم ذكرها في بداية التقرير من أجل تحفيز المنظمة على المضي قدما في عملية التطوير دون التوقف، وكذلك من أجل توثيق هذه المميزات من أجل المحافظة عليها حتى لا تصل إليها موجة التغيير الذي سيحدثه التطوير فيما بعد. بعد سرد نقاط القوة يعرج التقرير على المشكلات التي تحول دون تقدم المنظمة ويكون وصفا دقيقا دون اقتراح الحلول، فقط وصف المشكلات بكل دقة مع كامل تفاصيلها، يتطرق في البداية إلى المشكلات الجوهرية التي تقف حجر عثرة أمام التقدم وتلك المشكلات التي تسبب في مشكلات أخرى. ويجب أن يكون الوصف هنا دقيقا، لأن هذا التقرير يعد بمثابة المصدر الذي يستقي منه الفريق الاستشاري الحلول في المرحلة الثالثة، فإذا لم تتضح المشكلات الفعلية في هذه المرحلة (مرحلة الفحص والتشخيص) فلن يتمكن الفريق الاستشاري من وصف الحلول في المرحلة القادمة. في المرحلة الثالثة (مرحلة اقتراح الحلول) يتم طرح الحلول الممكنة التي قد يتطلب فيها تغيير استراتيجيات برمتها وإلغاء أخرى ودمج إدارات واستحداث أخرى حسب المعلومات التي تم توصل إليها. وفي المرحلة الرابعة والأخيرة، التي يطلق عليها مرحلة التنفيذ تبدأ عملية تطبيق الحلول، حيث يقوم الفريق الاستشاري بالإشراف على تنفيذ المقترحات بعد موافقة مجلس الإدارة عليها.
نتمنى من المنظمات الحكومية وغير الحكومية ألا تلجأ إلى اللجان الداخلية عند الرغبة في عملية التطوير الإداري، فقد ثبت فشلها، وعليها أن تستعين بمكاتب خارجية حتى تضمن الحياد وتتم مراقبتها وفقا للمراحل الرئيسة التي تم ذكرها في هذا المقال.