الإدارة قبل الميزانية

صدرت الميزانية العامة للدولة، وهي موضع انتظار تقليدي للسعوديين يحتفلون به، ولا يهمهم أن الميزانية هي التوقعات العلمية التقديرية للمصروفات مقابل الدخل، ولا تهمني هذه الأرقام الفلكية، فما يهمني هو إدارة هذه الميزانية لأن الإدارة عصب العمل والإنتاج، بل الإدارة قبل العمل، وبعد الإنتاج، ومنها الحلول الأولى والأخيرة في العمل. ومع الأسف، فإن الإدارة القادرة ضالتنا التي لم نجدها، وإن وجدنا شيئا منها فنحن لا نتبنى أساليب إدارية حديثة، كما يليق بنا كأصحاب أول تجربة إدارية مشهودة في شركة أرامكو ونموذجها الإداري المتقدم، وعجزنا الإداري في تحديث الأساليب والوسائل لإدارة متفاعلة، وفي الغالب إن حدثنا الوسائل، لم تلحق بتحديثها عقول البعض فيفشل العمل، فهل هناك حلول للمشكلة الإدارية، والمملكة تتحدث عن تنمية مستدامة واقتصاد معرفة بطموح يتجاوز المستحيل.
وللحقيقة، فإن الكثير يعتبر متبنيا لأساليب إدارية جديدة اشتراها، أو استوردها وتبناها، أو جاءته مع السلع والخدمات التي يتاجر فيها أو يصنعها، لكن هذا التطور الكبير الذي يأتينا من جانب الإدارة في القطاع الخاص لا يؤثر في تسهيل كثير من الأعمال الأخرى، ويبقى محدودا عند من يتبنى أساليبه. إن الفوضى في الاقتصاد العشوائي غير المنظم تقلل من تأثر الأعمال بتبني الأساليب الحديثة.
تقنيات الإدارة والحلول الإدارية الحديثة متوافرة، والصعوبة تكمن في خياراتها وتبني ما يناسب منها، وقدرة ما نختاره على التطور مع تطور أعمالنا، ثم الأهم تحطيم طبقية الإدارة في مستوياتها الثلاثة، وكسر الحاجز بين العامل والرئيس لتترسخ القناعة بأهمية كل منهم في موقعه، ومن هنا يبني العامل ثقته بنفسه كإنسان مشارك في التنمية، لا يتلقى الأوامر، وترصد أوامر العمل صعودا ونزولا بطريقة اقتنع بها العامل ورئيسه بتواصل أفقي لا رأسي هابط يلغي دور العامل، فقد تكون لدى العامل في القاعدة ما يحتاج إليه الأعلون من أفكار، وكذلك لدى الأعلى ما يقنع زميله بنظرية أو تطبيق عبر تواصل أفقي ليس غرضه غير تطوير العمل.
لو استطاعت المنشآت الكبرى تفعيل إدارة سليمة للميزانيات لكان أفضل من الاحتفاء الرمزي بميزانية توهن قوتها الإدارة وتتعثر مشاريعها لعجز بعض الإداريين عن تصريف المال وإدارته، الإدارة القادرة قبل الميزانية السخية لخلق فارق على الأرض، ففوائض الميزانيات ليست دليلا على إخلاص الموظف بقدر ما تشير إلى عجز إداري للجهة والموظف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي