2013 عام التوقعات الخاطئة
ربما لم يحظ عام بالتوقعات والتنبؤات كما حظي بها العام الميلادي 2013، فقد أدلى كل بدلوه، وكان في المقدمة بعض المنجمين ممن يحسبون على علم الفلك، وبعض الروحانيون ممن يجيدون استخدام علوم الحساب والرياضيات، ومنهم من سلك طريق الاستشفاف والمتابعة والاستنباط في محاولة لإثبات أمر مستقبلي في علم الغيب. ولم تخل معظم تلك التوقعات من أخبار سيئة وكوارث مهلكة كفانا الله شرها، وفي كل عام سيعاود هؤلاء المتنبئون استباق الأحداث وإلقاء السمع في وسائل الإعلام، والتحذير من القادم الذي هو دائما أخطر وليس فيه ما يبشر بالخير.
لقد غاب التفاؤل وحل محله التشاؤم وكأن المطلوب زيادة التوتر النفسي ورفع حالة التأهب من خطر غامض قادم لن يسلم منه أحد، وليس أكثر تعاسة من أولئك المتنبئين والراجمين بالغيب، أولئك المتابعين لهم ممن ألفوا الاعتصام بالأحلام وكأنها مصدر الأخبار الصادقة ومنبع الحقائق الثابت حتى وإن كانت مستقبلية، وهناك من سار في الركاب ليفسر الأحلام ويعيد إخراجها في صورة أكثر بشاعة مما هي عليه وليربطها بأحلام أخرى مشابهة لها أو مطابقة في سياقها ومؤداها، ليصل بنا أولئك المتشائمون إلى درجة التواتر في الرؤى وهي أعلى درجات الموثوقية في تقرير المستقبل وما ستكون عليه أحوال البلاد والعباد.
إن أحلام المنام انعكاس لما يدور في خلد الإنسان في صحوته ويقظته، فالمخيلة مساحة يسجل فيها الإنسان آماله وطموحاته وكذلك آلامه ومعاناته، وكم من الأحلام كانت تعويضا عن هدف لم يتحقق أو غاية لم تتم أو نعمة مفقودة أو حسرة مترددة في أعماق النفس، يختزلها الإنسان ويعيد عقله الباطن بثها بما يخفف عنه وطأة ما يكابده في النهار، فهو ساعات المعاش والمعيشة. وقد هدانا رسولنا ــــ عليه الصلاة والسلام ــــ إلى طيب الكلام قبل المنام، فالأذكار خير ما يستقبل به الإنسان ليله بعد مجاهدة لا يخلو منها الأمير والوزير والكبير والصغير والغني والفقير.
إن الترويج لثقافة الفتن والملاحم والعودة إلى متحف التاريخ لاستدعاء الشرور الواقفة على الأبواب وكأن العقاب قادم لا مرد له هو نوع من الهروب من الواقع وعدم مواجهة المشكلات والمعضلات بالحلول العملية. هناك سنن كونية ونتائج حتمية متى وجدت مقدماتها وأسبابها، فقد جعل الله لكل شيء سببا، وإن كثيرا من الأقدار هي من صنع يد الإنسان، بل إن ديننا الحنيف يأمرنا بالتبشير لا بالتنفير، ومن تفاءل بالخير وجده، وإن الله عز وجل عند حسن ظن العبد، فإن ظن خيرا وجده وإن ظن شرا وجده.
إنها مهنة كسائر المهن ومورد لاكتساب المال فالمتنبئون لن يختفوا من الساحات رغم أن الله أخلف ظنهم فيما تصوروه وصوره للناس من أحداث جسام وأمور عظام ليس لها من دون الله كاشف، بل إنهم يجددون في كل عام بضاعتهم ويزينونها للعرض غير عابئين بما سلف منهم من أقاويل ذهبت مع الريح وستذهب مع الريح في كل عام، بل هم لم يستحيوا من معاودة الظهور مجددا وكأنهم قدرنا على الشاشات يفسرون الأحلام ويضربون أخماسا في أسداس ويعبثون بمن استطاعوا وبما استطاعوا.
نعم لقد كذب المنجمون ولو صدقوا وفي رواية ولو صدفوا ــــ أي لو حدث ما توقعوه بالمصادفة ــــ وهو ما لم يحدث أيضا أي أنهم لم يصدقوا ولم يصادف قولهم ما حدث. ومن هنا فإن علينا أن نكون أكثر وعيا في العام المقبل بل وفي كل عام، فالمنجمون وإن اختفى بعضهم إلا أن هناك وجوها جديدة ستطل علينا، وعلينا الحذر منهم ومما يروجون له من رجم بالغيب وترويج لثقافة اليأس من المستقبل.