روحاني الرئيس .. خامنئي الحاكم

الذي يتابع الخطاب السياسي للرئيس الإيراني حسن روحاني، يعتقد للوهلة الأولى، أنه رئيس لوزراء دولة كبريطانيا، التي تمتلك فيها الحكومة المنتخبة القرار الكامل، وما على الملكة إليزابث الثانية، إلا التوقيع فقط، سواء وافقت أم لم توافق. في إيران لم تكن الشرعية الكاملة (منذ ''الثورة'') للرئيس، حتى لو انتُخب بنسبة 100 في المائة. قد يأتي رئيس مختلف بعض الشيء، ولكنه لا يمكن أن يكون مخالفاً، لمن؟ لمرشد ''الثورة'' خامنئي، الذي ملَك نفسه القرار القاطع والنهائي، وأصدر معه ''صكاً'' يحسم كل نقاش. إنه الولي ''الفقيه'' المعصوم! يستند روحاني ''في إطار ترويجه لسياسته'' إلى تفويض شعبي، ولكنه لا يتحدث عن التفويض الأهم الآتي من المرشد، لماذا؟ لأنه خاضع لمشيئة هذا الأخير، وليس مهماً بعد ذلك، وجود رئيس معتدل أو متطرف. بل ليس مهماً وجود رئيس أصلاً في سدة الحكم. لكن طالما أن المشهد العام يتطلب ذلك، فلا بأس.
الذي أفاد روحاني على الساحة الدولية، أن القيادات الغربية الحالية تسعى إلى احتواء الأزمات، لا حلها. فتكاليف الاحتواء بالنسبة لها أقل بكثير من تلك التي قد تنجم عن الحل، ولا سيما أزمات مع نظام في إيران، يؤمن بأنه لا يستمر إلا بها، وبأن العلاقات مع المجتمع الدولي، ينبغي أن تكون دائماً بعيدة عن الانفراج الكامل، رغم كل التكاليف الاقتصادية الهائلة التي نالت من إيران جراء سياساتها هذه، ومن تطرفها في التعاطي مع القضايا المرتبطة بالعالم. وسيكون أفضل لروحاني الذي قال ''إن حكومتي تنبذ أي نهج متطرف''، أن يستدرك ويقول على الفور ''لست متأكداً من أن القيادة العليا في بلادي توافق على مثل هذا النهج''. وفي مثل هذه القضايا، لا تنفع سياسة تبادل الأدوار، خصوصاً في نظام لا يملك فيه الرئيس الحق في الاختلاف، فكيف بالمخالفة؟!
عندما وقَّع الغرب اتفاقه المبدئي مع إيران حول برنامجها النووي، زُود الوفد الإيراني المفاوض بخطوط حمراء لا يمكنه بأي حال من الأحوال تجاوزها. ربما هناك شخصيات في إيران لا توافق على هذه الخطوط، غير أنها لا تملك إلا الحفاظ عليها، ولا تتجرأ حتى لتعديل طفيف في لونها. وهذا ينطبق على كل القضايا الأخرى التي تربط إيران بمحيطها وبالعالم. فلا معنى هنا لما يروجه روحاني من أنه ''ملتزم بالاعتدال والحس السليم''. وهذا يضيف المزيد من الشكوك، حول ادعاءات الحكومة الإيرانية بسعيها لـ ''تعزيز الثقة بين الشركاء التقليديين والجدد''. إن أهم نقطة، هي تلك التي اعترف بها الرئيس الإيراني علانية، بأن سياسته ''المعتدلة'' حيال كل القضايا المطروحة، تحتاج إلى ''بناء إجماع في الداخل، وتحديد أهداف شفافة''. لقد فضح نفسه بنفسه. فهو لا يستطيع أن يقول، إنه سيمضي بسياسته بزخم الأغلبية التي يحكم بها، و''الإجماع'' في السياق الإيراني، ليس إلا موافقة المرشد والكتل النافذة المكلفة بتنفيذ ما يقره هذا المرشد في النهاية.
إن تجميد التوتر بين إيران والعالم، ليس حلاً ولن يكون. ومثل هذا ''الإنجاز'' لا يلبث أن يصاب بـ ''التعرية''. وإيران على مدى أكثر من ثلاثة عقود فقدت الثقة المطلوبة، وهي تعزز فقدانها هذا، بسلسلة من السياسات التي لا تنشر إلا التوتر والريبة والخراب في الأجواء. وعندما تتحول المؤسسة السياسية الإيرانية، إلى جهة تحاكي معايير الانتخابات الأخيرة، يمكنها أن تطلق التوصيفات التي ترغب على نفسها. دون أن ننسى، أن التقية في كل الميادين في إيران، بما في ذلك الميدان السياسي، تبقى العامل السائد على الساحة. وهذه التقية، تكرس في الواقع السياسة التي يريدها المرشد، لا تلك التي يحاول حسن روحاني وأتباعه الترويج لها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي