عبد الله عبد الله يعود مجددا إلى الأضواء
من بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية الأفغانية الماضية التي جرت في عام 2009 في مواجهة الرئيس الأفغاني الحالي حامد كرزاي كمرشح مستقل، يدخل طبيب العيون الدكتور عبد الله عبد الله وزير خارجية أفغانستان الأسبق السباق الرئاسي المقرر إجراؤه في نيسان (أبريل) من العام المقبل مجددا، مستفيدا من عوامل عدة على رأسها:
1-عدم قدرة كرزاي على دخول السباق الجديد بسبب النص الدستوري الذي يمنع أي رئيس أفغاني من البقاء في سدة الحكم أكثر من فترتين رئاسيتين.
2-فشل كرزاي في تحقيق ما وعد به ناخبيه طوال السنوات التي قضاها في الحكم لجهة تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية، دعك من شبهات الفساد التي أحاطت بأركان إدارته المريضة.
3-زمالة عبد الله وصداقته الطويلة للقائد الأفغاني الأسطوري المقاوم للسوفيات أحمد شاه مسعود (المعروف باسم أسد وادي بانشير) الذي اغتاله نظام طالبان المدحور بالتعاون مع تنظيم القاعدة في التاسع من أيلول (سبتمبر) 2001، أي قبل وقت قصير جدا من انهيار النظام الطالباني بفعل الضربات الجوية الأمريكية على كابول وقندهار وغيرها من المدن الأفغانية انتقاما من هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
4- انتماؤه إلى عرقين مؤثرين من أكبر الأعراق المكونة للشعب الأفغاني وهما العرقان البشتوني والطاجيكي. فوالدته طاجيكية لكنها أقامت لسنوات طويلة في كابول وقندهار، ووالده غلام محيي الدين خان بشتوني من مواليد قندهار، لكنه تنقل في وظائف حكومية عديدة في كابول، إلى أن عينه الملك الراحل ظاهر شاه في مجلس الشيوخ.
5- شعبيته التي تجلت في حلوله ثانيا بعد كرزاي في انتخابات عام 2009 الرئاسية، حيث حصد نسبة من الأصوات تجاوزت 30 في المائة.
6- شهرته في الأوساط السياسية العالمية كسياسي مثقف وصاحب تجربة دبلوماسية وخطيب مفوه، أثناء توليه حقيبة الخارجية في الحكومة الأولى لكرزاي بين عامي 2001 و2005، بل حتى قبل ذلك، حينما غادر بلاده احتجاجا على الغزو السوفياتي وتوجه للعمل في مستشفى جمال الدين الأفغاني داخل مخيمات اللاجئين الأفغان في بشاور الباكستانية كطبيب، ثم حينما رافق أحمد شاه مسعود في أوائل 2001 كمستشار إلى بروكسل لمخاطبة البرلمان الأوروبي وشرح أوضاع أفغانستان المزرية في ظل الحكم الطالباني.
7- مواجهته في السباق الانتخابي القادم لبعض لوردات الحرب ممن سئم الشعب الأفغاني منهم، أو لبعض الشخصيات الضعيفة التي لم يعد الأفغان يثقون بها بسبب ارتباطاتها الغامضة مع الأمريكان. من هؤلاء: عبد الرسول سياف المعروف بتشدده وعلاقاته مع تنظيم القاعدة، وتوليه رعاية الإرهابي خالد شيخ محمد العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر، وقيوم كرزاي الشقيق الأكبر للرئيس الحالي، الذي لا يـُعرف عنه شيء ولا يمتلك أي خبرة، وزلماي رسول وزير الخارجية السابق والموالي لكرزاي، وأشرف غني أحمد زاي وزير المالية السابق المقيم في الولايات المتحدة، الذي كان قد ترشح في الانتخابات الرئاسية السابقة، وجاء في المرتبة الرابعة بحصوله على نحو 3 في المائة من الأصوات فقط، وغل آغا شير حاكم ولاية نانغهار المعروف بالبلدوزر كناية عن قسوته وفظاظته. والمفارقة هنا أن الرئيس كرزاي لا يؤيد أخاه قيوم وإنما يدعم أشرف غني المقبول خارجيا وغير المقبول داخليا.
8- قيادته منذ عام 2011 لما عـُرف باسم ''التحالف من أجل التغيير والأمل'' الذي حصد 90 مقعدا برلمانيا من أصل 249 قبل أن يتحول لاحقا إلى تحالف أوسع تحت اسم ''التحالف الوطني الأفغاني'' وينال دعم العديد من الأحزاب السياسية الفاعلة، إضافة إلى الكثيرين من أعضاء البرلمان ممن أحبطتهم طريقة حامد كرزاي في إدارة البلاد. هذا إضافة إلى تمتعه بدعم في السباق الرئاسي من نائب الرئيس الحالي الماريشال محمد قاسم فهيم.
9-اختياره لشخصيتين قبليتين معروفتين على قائمته كمرشحين لمنصبي نائبي الرئيس، حيث إن الدستور الأفغاني أتاح ذلك في محاولة منه لتقسيم المناصب التنفيذية العليا التالية لمنصب الرئيس بالتوازن بين الطاجيك وأقلية الهزارة الشيعية. وهاتان الشخصيتان هما: محمد خان المهندس والناشط السياسي السني المنحدر من إقليم قره باغ كنائب أول للرئيس، ومحمد محقق المشرع والقائد العسكري السابق المنتمي للأقلية الشيعية كنائب ثان للرئيس.
كل هذه العوامل وغيرها ربما تساعد عبد الله عبد الله، المولود في عام 1960، على تحقيق حلمه في رئاسة بلد فاشل ومأزوم على جميع المستويات، وفي حاجة ماسة إلى فرض حكم القانون، وإجراء إصلاحات أساسية قبل أي شيء آخر من أجل ضمان العدالة والمساواة والتنمية والتنوير وتشغيل العاطلين ومكافحة الفساد ومقاومة الانقسامات القبلية والطائفية والجهوية والنهج المتشدد القائم على الخرافات والأساطير.
وإذا كانت باكستان ترى في الرجل خطرا على أحلامها وطموحاتها المعروفة ومصالحها المفترضة في أفغانستان بسبب نهجه المستقل، وعلاقاته القوية مع الهند، ومعرفته الدقيقة بمؤامرات وتدخلات جهاز المخابرات الباكستاني (آي. إس. آي) في بلده، فإن الهند، على العكس، من ذلك ستسعد كثيرا لو حالفه الحظ هذه المرة وصعد إلى سدة الحكم في كابول. فهو ليس في وارد إغضاب نيودلهي التي استثمرت الكثير من الأموال والخبرات في هذا البلد، منذ سقوط نظام طالبان الأرعن، كي يقف على قدميه ويجتث جذور الإرهاب والتشدد.
والسعادة بفوز عبد الله - إذا ما تحقق - ستشمل الصينيين أيضا، لأنهم ضاقوا ذرعا بالوضع الأفغاني سواء أثناء حكم المجاهدين أو الطالبانيين أو رئاسة كرزاي بسبب الدعم الذي يتلقاه الانفصاليون الصينيون في إقليم ''تركستان الشرقية'' المسلم عبر الحدود من داخل أفغانستان.
أما إدارة أوباما، التي تستعد لتصفية وجودها العسكري في أفغانستان مع نهاية العام المقبل، ولم تتوصل حتى الآن إلى صفقة مع حكومة كرزاي من أجل إبقاء عدد محدود من القوات الأمريكية لفترة محدودة فوق الأراضي الأفغانية، فموقفها من المترشحين للرئاسة غامض ويسوده التردد والتخبط اللذين ميزا مواقف هذه الإدارة البائسة من مجمل القضايا الدولية والإقليمية الساخنة.
وفيما يتعلق بموقف عبد الله من طالبان، فإنه مغاير لموقف كرزاي. فعلى حين سعى الأخير إلى التفاوض معهم من أجل إشراكهم في الحكم، فإن الأول يقول بكل وضوح أنه لا مكان لهم في السلطة قبل أن ينبذوا الإرهاب والارتباط بالجماعات الإرهابية، ويتخلوا عن فكرة الإمارة الإسلامية، ويتوقفوا عن استهداف المدنيين الأبرياء بالتفجيرات الانتحارية.
وفي بلد مثل أفغانستان يشهد يوميا الكثير من الفظائع والمجازر والتقلبات والتغيرات على الأرض، لا يستبعد أن يطرأ الكثير من التعديلات على المشهد الانتخابي، من الآن وحتى موعد إجراء الانتخابات في الخامس من نيسان (أبريل) 2014، لجهة تسابق لوردات الحرب وأمراء القبائل وكبار الساسة إلى عقد الصفقات والتحالفات المفاجئة أو فضها. غير أن الشيء الوحيد الذي لا يمكن تغييره هو إضافة أسماء جديدة إلى قائمة المترشحين لأن الباب قد أغلق دونها في السادس من تشرين الأول (أكتوبر) 2013.
د. عبد الله المدني
* باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: ديسمبر 2013
البريد الالكتروني: [email protected]