الأندية السعودية في ورطة المحاسبة

انتشرت عبر موقع ''تويتر''، تغريدات عن المشكلات التي يواجهها نادي الاتحاد في جدة، أثارتني منها تغريدة تشير إلى أن مشكلة النادي تكمن في النظام المحاسبي، سأزيد على هذه التغريدة مشكلة نظام الرقابة الداخلية ككل. في مقال سابق تحدثت عن موضوع الاستثمار في اللاعبين الرياضيين، خاصة لاعبي كرة القدم، وأكدت على خطورة المشكلة وأن اللاعب لا بد أن يملك القدرة على تعويض النادي عما تم دفعه، وتطرقت إلى موضوع المحاسبة عن رأس المال البشري. لكن مع التغريدات التي تتهم النظام المحاسبي لنادي الاتحاد كسبب للمشكلة فإن قضية الأندية السعودية تتعدى مجرد سوء التخطيط الاستثماري، واستخدام مفاهيم متطورة، بل مشكلة عميقة تكمن في مبادئ المحاسبة في تصميم نظام محاسبي قادر على صناعة المعلومة المالية الصحيحة والدقيقة التي من خلالها يمكن معرفة نتائج أعمال النادي ''وهذا جزء من عملية تقييم الأداء''، وكذلك المركز المالي وتقييم الأصول والديون المختلفة في النادي واعتماد تلك الديون، وبناء على تلك المعلومات يمكن الوصول إلى مؤشرات عديدة ومن أهمها قدرة النادي على الاستمرار، وهذا كله نختصره في عبارة واحدة ''ورطة المحاسبة''.
فالمحاسبة كنظام للمعلومات، هي التي تضمن سلامة المعلومات المالية، وبالتالي سلامة القرارات المبنية على تلك المعلومات، التي اعتمد عليها الجميع في اتخاذ قرارات تمس المستقبل والحياة، ومن ذلك قرار لاعب بالتخلي عن مصدر رزقه الحالي في مقابل وعود زائفة مبنية على معلومات مالية وقوائم مالية خاطئة تماما، أضف إلى ذلك أن المحاسبة هي جزء لا يتجزأ من نظام المراقبة الداخلية، فكيف يمكن حماية الأصول والنقدية من الاختلاسات بلا نظام محاسبي؟ ولا أتخيل أن أي مؤسسة يمكنها أن تعمل إلا من خلال نظام محاسبي مناسب وكفؤ، ومن المدهش حقا أن تسمع أن الأندية السعودية وهي تعبر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تعبره بلا أنظمة محاسبية وأنظمة رقابة داخلية تذكر. وحقيقة إنني لم أصدق تلك التغريدات وبحثت عن دليل مؤيد حتى وجدت في موقع ''يوتيوب'' مقابلة تلفزيونية مع المسؤول المالي في نادي الاتحاد منير رفة، الذي أشار إلى هذه الحقيقة بكل شفافية، وذلك في معرض مناقشته أزمة ديون نادي الاتحاد، وبدا واضحا من خلال اللقاء أن المشكلة ليست ديونا، بل إدارة مالية وأنظمة محاسبية وإدارة استثمار، بل وبنية إدارية صحيحة في الأندية السعودية، وإذا كان ناد بحجم الاتحاد يعاني هذه المشكلة فماذا فيما دونه من الأندية، وللحقيقة فإن أبسط ما يقال عن ذلك إنها مصيبة بل فاجعة. مصيبة بحجم كل الأموال والتدفقات النقدية التي تتلقاها الأندية من مصادر أصبحت أشك أنها تعرفها، أو تعرف كيف تديرها، مصيبة كيف لا تعرف الأندية قدرة كل مصدر من مصادر الدخل على الإسهام في التدفقات النقدية، وبالتالي استمرار النادي لعام مقبل، ولن أكون حالما حتى أقول معرفة قدرة كل عنصر من عناصر المصروفات على خلق الإيرادات ومدى مساهمتها في ذلك. ولا أعرف في ظل هذه المأساة المحاسبية كيف تتخذ الأندية السعودية قراراتها الاقتصادية، بل كيف يتم منحها معونة سنوية من الدولة؟ وبحق أصبح مقالي السابق عن الاحتراف في الرياضة السعودية ترفا لا مبرر له.
من المحزن جدا أن مرض المحاسبة في الأندية السعودية قد امتد بعدواه، إلى مهنة مراجعة الحسابات لديها، فكيف يمكن أن يقال إن المراجع القانوني لنادي الاتحاد قد تم تضليله بشأن المركز المالي للنادي وديونه؟ وكيف أن عددا من المعالجات المحاسبية تمت دون الرجوع للمعايير المحاسبية المرعية في هذا الشأن؟ تلك مشكلة تتعدى الأندية، بل تهدد مهنة المحاسبة والمراجعة، وهذا خطير جدا، لأن الشك في سلامة هذه المهنة قد يؤثر في الاقتصاد ككل وليس الأندية الرياضية فقط، لذلك ليس من المقبول هنا إلقاء الكلام على عواهنه، بل لا بد من التثبت في دور مراجعي الحسابات في هذا الموضوع، وبودي لو تقوم الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين بفحص أوراق العمل الخاص بمراجعة الأندية السعودية لتقف على حجم المخالفات الفعلية في أعمال المراجعين.
لقد اهتمت الهيئة السعودية بمهنة المحاسبة والمراجعة حتى أصبحت هذه المهنة في مصاف الدول المتقدمة فعلا، ومن ذلك أنها أصدرت خلال العام الماضي المعايير التي تضبط العمل المحاسبي في الهيئات والمؤسسات غير الهادفة للربح ومنها الأندية الرياضية، فهناك إذا معايير سعودية واضحة للمحاسبة عن أموال الأندية الرياضية وهي معتمدة من جهة مستقلة، كما أن الهيئة لديها مرجعية كاملة فيما يتعلق بأعمال المراجعين، ولذلك كان لا بد أن تلتزم الأندية السعودية بهذه المعايير المحاسبية وتسترشد بها عند إعداد قوائمها المالية وأن يعمل مراجعو الحسابات على ضمان ذلك. ومن الواجب أن تقوم الرئاسة العامة لرعاية الشباب بفرض هذه المعايير المحاسبية على الأندية الرياضية. لا أعرف حلا مثاليا الآن سوى التحقيق في هذا الأمر، وليت هيئة الفساد تتدخل في الموضوع، خاصة أن هناك دعما حكوميا وجهة حكومية مسؤولة عن متابعة أعمال وتصرفات الأندية السعودية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي