توطين سوق العمل بالتدريب

في خبر تناقلته وسائل الإعلام ومنها صحيفة ''الاقتصادية'' بتاريخ 28 المحرم 1435هـ الذي جاء فيه ''أقر الصندوق الخيري الاجتماعي وفق خطة العمل التي اعتمدها الدكتور يوسف العثيمين وزير الشؤون الاجتماعية رئيس مجلس إدارة الصندوق الخيري الاجتماعي، إطلاق دفعة جديدة من الفرص التدريبية المنتهية بالتوظيف للشرائح المستفيدة من خدماته بالتعاون مع عدد من كبريات الشركات الوطنية''، حيث يأتي من أولويات هذا الصندوق تأهيل المستفيدين لمواجهة تحديات سوق العمل.
المتأمل في سوق العمل بالمملكة يجد فيها مجموعة من التحديات التي تجعل من مثل هذا البرنامج خطوة مهمة لتصحيح سوق العمل، فعلى الرغم من أن سوق العمل في المملكة تستوعب الملايين من القوى العاملة الأجنبية، إلا أنه لا يزال بعض المواطنين يعانون البطالة التي تجعل منهم أعضاء غير فاعلين في المجتمع ولا يقدمون إضافة إلى الاقتصاد الوطني، والحقيقة أن هناك معادلة صعبة في سوق العمل في المملكة، إذ إن سوق العمل التي تستوعب الملايين من القوى العاملة الأجنبية التي تمثل نصف القوى العاملة الإجمالية تقريباً على مستوى البلد لا يجد متسعاً للآلاف من المواطنين الذين يتطلعون إلى وظائف مناسبة بدخل جيد.
الحقيقة أن هناك مجموعة من العوامل التي أسهمت في تعقيد هذه القضية، وجعلت منها معادلة معقدة تحتاج إلى وقت لحلها إلى مجموعة من العوامل منها كثرة استقدام القوى العاملة في مختلف الوظائف التي يمكن أن تكون مناسبة للمواطنين في حال توافرت البيئة المناسبة، ومنها أيضاً تدني رواتب بعض الوظائف بما لا يحفز المواطن على العمل والإنتاجية في ظل عدم الرضى بمستوى الدخل، إضافة إلى عشوائية سوق العمل التي يواجه فيها المواطن صعوبة في المواءمة مع طبيعة هذه السوق، خصوصاً في بعض الأعمال مثل قطاع التجزئة وأعمال الصيانة وغيرها.
التدريب المنتهي بالتوظيف خطوة مهمة في معالجة مشكلة سوق العمل، خصوصاً أن برنامج التعليم العام لا يؤهل إلى سوق العمل بصورة مباشرة، وكثير من برامج الدبلوم تأخذ فترة طويلة ولا تقدم ما يكفي من البرامج التدريبية التي تلبي احتياج سوق العمل، وكثير من برامج التعليم العالي بعيدة عن سوق العمل، وما يلبي منه احتياج سوق العمل لا تجد فيه ما يكفي من برامج لتمكين الخريج من الدخول مباشرة إلى سوق العمل ـ وإن كان لبعض الجامعات البرنامج التعاوني بالتعاون مع الشركات لتهيئة الطالب لسوق العمل ـ، ولذلك تلجأ بعض الشركات إلى وضع برنامج تدريبي للموظفين لديها من حديثي التخرج لتمكينهم من استيعاب طبيعة العمل. كل ذلك يجعل من الأهمية بمكان توفير فرص التدريب للمواطنين لتمكينهم من البدء بالانخراط في سوق العمل، خصوصاً عندما نعلم أن معظم القوى العاملة الأجنبية لا تعتبر في غالبيتها من القوى العاملة المدربة، بل إن غالبيتها حصلت على تدريبها من خلال الممارسة في سوق العمل بالمملكة وهذا ما يجعل إمكاناتها محدودة.
التدريب المنتهي بالتوظيف الذي يستغرق مدة ليست بالطويلة يعتبر من الحلول السريعة والفاعلة في برنامج الحكومة لتوطين الوظائف، خصوصاً أنها تلبي بشكل مباشر احتياجات سوق العمل وتتواصل أيضا بشكل مباشر مع سوق العمل، وهناك قائمة كبيرة من الأعمال التي لا تتطلب الكثير من التدريب بل يكفي فيها تعليم مجموعة من المهارات التي تمكن الفرد من الانخراط بعدها مباشرة في العمل بصورة مبدئية وتهيئة أيضاً للانضباط والفاعلية في العمل، وقد تمكنه مستقبلاً من الاستمرار في تطوير مهاراته للبحث عن فرص أفضل.
توجد قضية مهمة في هذا البرنامج، وهي أن يُنمى فيه لدى المتدرب ثقافة العمل التي تشتمل على أخلاقيات المهنة التي لم تحظ باهتمام كافٍ في مناهجنا التعليمية، إضافة إلى مهارات التعامل مع الأطراف المتعددة في العمل، إذ إن ثقافة العمل تختلف عن الثقافة التي يكتسبها الفرد من المجتمع المحيط به، فهناك أمور يتطلبها العمل وهي جزء من مسؤوليات الموظف وواجباته، إضافة إلى مسألة الوعي بالحقوق، وبناء ثقافة العمل في النشء يمكّن الموظف من التفاعل الإيجابي مع الأطراف ذات العلاقة بالعمل، إضافة إلى الحد من مجموعة من التجاوزات سواء من الموظف أو من صاحب العمل. فالخلاصة، إن التدريب المنتهي بالتوظيف خطوة مهمة وسريعة لمعالجة حالة سوق العمل في المملكة، خصوصاً مع وجود دعم رجال الأعمال والمنشآت التجارية، ولكن ينبغي أن يكون هذا جزءاً من عملية إصلاح للبرامج التعليمية وطبيعة سوق العمل لتهيئة المناخ المناسب لتوطين سوق العمل في المملكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي