دور حاسم للمياه في مستقبل مزيج الطاقة العالمي

العمليات الإنتاجية لجميع مصادر الطاقة في العالم وتوليد الطاقة تحتاج إلى المياه. على الرغم من أن الأنشطة الزراعية تستهلك نحو ثلثي إمدادات المياه العذبة في العالم، إلا أن قطاع الطاقة حتى الآن أكبر مستخدم للمياه من بين القطاعات الصناعية المختلفة، حيث يستهلك نحو 15 في المائة من إمدادات المياه العالمية. صناعة الطاقة تعتمد على الماء لاستخراج ومعالجة وتوليد الطاقة وتستهلك أكثر من 400 مليار متر مكعب سنوياً من المياه.
عند تقنين المياه أو حجبها عن شركات الطاقة بسبب القيود التنظيمية، الاجتماعية و/أو المادية (شح المياه)، فإن قطاع الطاقة قد يواجه صعوبات في توفير إمدادات جديدة من مصادر الطاقة، تأخر في تطوير المشاريع القائمة وارتفاع في التكاليف. فرص الشركات في الحصول على المياه تختلف اختلافاً كبيراً من منطقة إلى أخرى في العالم تبعاً لموقع المشروع، ذلك بسبب الحالة المناخية المحلية للمنطقة، وفرة مصادر المياه، وظروفها الاجتماعية والسياسية.
في المقابل، مصادر المياه هي أيضاً في حاجة إلى طاقة لتحلية المياه، توفيرها، نقلها ومعالجتها. تتوقع الأمم المتحدة أن يواجه العالم عجزاً بنسبة 40 في المائة في المياه العذبة بحلول عام 2030، فيما إذا استمرت الاتجاهات الحالية في الاستهلاك، ما قد يضع المزيد من الضغوط والتدقيق على صناعة الطاقة من قبل الحكومات والمجتمعات المحلية على الكمية والكيفية التي تستخدم فيها إمدادات المياه العذبة. جزء كبير من العجز في المياه العذبة يمكن معالجته عن طريق التقدم التقني، ولا سيما محطات تحلية مياه البحر، خصوصاً تلك التي تعمل بالطاقة الشمسية.
استهلاك المياه والمخاطر المتعلقة بالمياه التي يواجهها قطاع الطاقة من عمليات الإنتاج إلى توليد الطاقة، تختلف اختلافاً كبيراً حسب نوع الوقود وحسب الموقع الجغرافي. كل نوع من أنواع الوقود لديه متطلبات مختلفة للمياه لاستخراجه، معالجته، نقله واستخدامه لتوليد الطاقة الكهربائية. اعتماداً على نوع الوقود، يمكن أن يستهلك من عشرة لترات إلى أكثر من خمسة ملايين لتر من المياه لإنتاج طن واحد مكافئ من الطاقة.
قد لا يكون مفاجئاً أن جميع المخاوف بخصوص الجيل الأول من الوقود الحيوي هي بالواقع في مجملها متعلقة بالاستخدام الكثيف للمياه، حيث يستهلك ما يصل إلى خمسة ملايين لتر من المياه لكل طن واحد مكافئ من الطاقة المنتجة. إذا ما أريد للوقود الحيوي أن يصبح منافساً لإمدادات الطاقة العالمية التقليدية (النفط)، يجب معالجة هذه المسألة في الجيل القادم من الوقود الحيوي. في المقابل، إنتاج الغاز من الموارد التقليدية هو في المتوسط أقل كثافة في استخدام للمياه، يليه إنتاج الغاز من المصادر غير التقليدية مثل السجيل الغازي. عادة الغاز لديه ميزة على النفط والفحم من ناحية كميات المياه المستخدمة، حيث إن عمليات معالجة الفحم وتكرير النفط تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه.
في هذا الجانب، حذر تقرير صدر أخيراً عن إحدى دور المعرفة من أن التحديات التي تواجه المياه واستجابة سياسات الحكومات لها سيكون لها تأثير حاسم في تطور مزيج الطاقة العالمي في المستقبل. كما أسلفنا تعتبر صناعة الطاقة من أكثر الصناعات استهلاكاً للمياه، تستهلك حالياً أكثر من 15 في المائة من إمدادات المياه العالمية، وهذه النسبة مرشحة للارتفاع في المستقبل مع النمو المتوقع في استهلاك الطاقة. نقص المياه المحتمل في المستقبل سيدفع الحكومات إلى التدقيق أكثر في استخدام المياه في مشاريع الطاقة وحجم التحدي في نقص المياه سيحدد درجة وسرعة استجابة السياسات.
إن ارتفاع مخاطر نقص المياه على صناعة الطاقة لا يقتصر على منطقة معينة في العالم أو نوع معين من أنواع الوقود، بل هو تحدٍ يخص جميع مناطق العالم وجميع أشكال الطاقة. في هذا الصدد، يبرز التقرير أربعة مجالات/مناطق ذات مستويات عالية من التحدي المائي والوسائل المقترحة للتخفيف منها. هذه المجالات تشمل قطاع توليد الطاقة الكهربائية، صناعة الفحم، خاصة في الصين، إنتاج الغاز الطبيعي من الموارد غير التقليدية ومنطقة الشرق الأوسط.
إن توليد الطاقة الكهربائية يتطلب مياهاً تفوق الكميات المستخدمة لإنتاج الوقود بألف مرة، لكن محطات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز خفضت بشكل جذري من استخدام المياه مقارنة بمحطات التوليد التي تعمل على الفحم الحجري. إن محطات توليد الطاقة الجديدة ذات الدورة المزدوجة (CCGT) العاملة بالغاز تستهلك عادة نصف كمية المياه التي تستهلكها محطات الغاز التقليدية.
في الصين نقص المياه أدى بالفعل إلى التحول إلى الهواء لتبريد محطات التوليد العاملة بالفحم، بحلول عام 2011 كانت هناك محطات توليد بطاقة إجمالية أكثر من 100 جيجاواط تبرد بالهواء، من المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2015، هذا سيمثل ثلثي طاقة محطات الفحم الجديدة.
في الولايات المتحدة نحو 50 في المائة من احتياطيات الغاز الصخري تقع في مناطق ذات مستويات تحدٍ مائي متوسط إلى عالٍ للغالية. في مناطق، مثل ولاية تكساس أدى هذا بالفعل إلى حدوث توترات مع السكان المحليين. لكن التقنيات الجديدة مثل استخدام مصادر المياه المالحة، إعادة تدوير المياه وتنفيذ عمليات التكسير الهيدروليكي من دون مياه أدى إلى خفض استخدام المياه العذبة إلى النصف أو حتى الاستغناء عنها نهائيا في بعض الحالات. هذه التقنيات الجديدة قد تكون حاسمة إذا ما تم التوسع في إنتاج موارد الصخر الغازي على الصعيد العالمي، خاصة في البلدان الصحراوية التي تمتلك احتياطيات كبيرة من هذه الموارد، مثل الجزائر، عُمان والسعودية.
كما أن نقص المياه أثر بالفعل في تطوير حقول النفط في منطقة الشرق الأوسط التي تستخدم المياه على نطاق واسع لدعم إنتاج النفط والمحافظة على ضغط المكامن. إن الحاجة إلى المزيد من المياه من شأنه أن يسرع من استخدام تحلية مياه البحر، التي تعتبر منطقة الشرق الأوسط العاصمة العالمية لصناعة تحلية مياه البحر، خصوصاً السعودية.
إن التكنولوجيا تقدم الحل الأمثل لمجابهة نقص المياه، حيث إن تطبيق أفضل التقنيات وأساليب إدارة المياه يمكن أن يزيد من موثوقية إمدادات المياه عن طريق توفير خيارات بديلة لمصادر المياه.
صناعة النفط والغاز كانت دائماً سباقة ورائدة في هذا المجال ولم تغفل قضايا المياه. من المجالات البارزة للتقدم التقني والاقتصادي في هذا المجال استخدام مياه البحر في العمليات الإنتاجية، رفع كفاءة معالجة المياه وخفض استخدام المياه في إنتاج النفط والغاز من الموارد غير التقليدية. النتائج كانت حتى الآن مثيرة للإعجاب ومن المتوقع استمرارها في المستقبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي