ابنة الأشرف الفقيه
قد يتبادر إلى الذهن أن الاسم في العنوان يشير إلى رجلٍ من زمن "كان ياما كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان"! لكن أشرف فقيه - لمن لا يعرفه - أكاديمي من أبناء هذا الوطن قاص وكاتب من مواليد السبعينيات، وهذه الـ (أل) أتبعتها اسمه بنيّة التفضيل، كنت قد قرأت تدوينته حين كُتبت أيامها في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2010، لكني ما إن عاودت قراءتها لم أجد "أفقه" منها في التعبير عن البنت وعوالمها وظروفها بأبوّة سبقت لحظتها.
يقول بعد مقدمة ساخرة تحكي تفاصيل تفضيله الأولاد على البنات، وبعد استعراض درامي حقيقي عن حياة البنت منذ ولادتها حتى تكبر:
لن أقول إني أسعد إنسان في العالم أو إني قد غيّرت رأيي تماماً واقتنعت بأن إنجاب البنات أحسن شيء في العالم. لا شيء من هذا حدث بالطبع. أعتقد أني مصاب بنوع من الصدمة.. صدمة أن تستوعب أنك مسؤول عن إضافة إنسان جديد لهذا العالم. إن الله تعالى قد جعلك سبباً لكينونة واحد، نفر جديد! وأن هذا النفر سيخوض حياة كاملة بكل ما فيها.. بسببك أنت.
وكأنه بتلك السطور يشعر بالمسؤولية والذنب معا لإنجابه كائنا للحياة! كما فعل إميل سيوران! في نظرته المتشائمة جدا حول الأبوة.
لكن الفقيه يراجع نفسه ويستدرك:
وهنا سأفرّق مجدداً بين البنت والولد. حين وُلد ابني، لم أستشعر هذه المخاوف. وقتها كنت سعيداً جداً لأني أصلاً أردتُ ولداً. وأنا الآن أقل سعادة. لأني أكثر خوفا.
وكأي أب خائف على ابنته بدأ يسرد أسباب الخوف ودوافعه:
خائف على هذه البنت من تصاريف الدهر. والولد أيضاً يستحق أن أخاف عليه بالتأكيد. لكن الخبرة الأولى التي اكتسبتها في الثانية الأولى لأبوّتي لبنت هي: كم هو هش هذا الكائن البنّاتي. هذا بالضبط ما أحسست به وأنا أحمل ابنتي بين ذراعيّ. طبعاً أنا عندي أم وأخوات وزوجة. لكني لم أنظر للأنثى من قبل بعين الأب.
ويكمل الفقيه باستطراد أكثر شفافية:
خائف على البنت من ملاعين البشر. هل أعاني إشكالية نفسية لأني أنظر للأنثى كمحض "مُكتَسب"؟ ربما.. وإذا تعالجت أنا من هذا العيب، فماذا عن باقي العالم؟
ماذا عن باقي المجتمع؟ أنا خائف على هذه البنت من مجتمع لن يرحمها وسيدوّل كل قضاياها ومشاكلها الشخصية. مجتمع سيتنازع حقوقها من دون أن يعطيها هي أياً منها! مجتمع ذو رأي مسبق وعين ناقدة على طول الخط سيحاكمها ويدينها مهما فعلت: لو تحجبت وتبرقعت، أو لو لم تتحجب وفتشت. سيحاكمها لو لبست بنطلونا، أو لو ظهرت شعرتان سهواً من تحت طرحتها.
ثم بعقل وجنون معا يتخيّل الفقيه زوج ابنته الرضيعة! مكملا:
حين تأملتُ في ابنتي واستعرضت أهم محطات مسيرة حياتها التي لم تبدأ بعد، أحسست فجأة بغلٍ شديد نحو الرجل الذي سيتزوجها. فكرت أنه قد يكون أكبر عدو لها. أكبر خطر قد يهدد سعادتها. اليوم في أحد البيوت السعودية ثمة وغد صغير يتسلى بتكسير ألعابه إلى أن يكبر يوماً ويطلب يد ابنتي مني. ثم ماذا؟ كيف سيعاملها؟ هل سيصرخ في وجهها؟ هل سيجعلها تبكي لأنها قدمت له شاياً بارداً؟ أو لم تكوِ له الشماغ؟
وبعد السرد الأبوي الصادق الذي يذكِّر كل بنت بحنان والدها حتى تدمع عيناها حبا وامتنانا، يفند أشرف السبب في أن الأهالي لم يخافوا على بناتهم بهذا الشكل لولا قلة الرجال!