فريد زكريا .. انحدار كاتب مرموق
فريد زكريا الصحافي الأمريكي المرموق بدأ يعلو في عالم الصحافة الأمريكية حتى بلغ رئاسة تحرير مجلة ''نيوزويك'' الورقية المحتجبة، ثم انتقل إلى مجلة ''التايم'' الأمريكية العريقة، لكن بعد أن اعتلى هذه المجلة العالمية العريقة بدأ يرتكب سلسلة من الأخطاء أهمها أنه كان يسرق المقالات وينسبها لنفسه، وفي العام الماضي سرق فريد زكريا مقالة للمؤرخة جيل ليبور المنشورة في مجلة ''نيويوركر'' في نيسان (أبريل) 2012، وفي البداية أنكر فريد زكريا التهمة، لكن كانت القرائن أكبر من الإنكار فاضطر إلى الاعتراف بالسرقة، وأعلن اعتذاره عما بدر منه وتعهد بعدم تكرار مثل هذا الفحش الذي لا يليق بكاتب اعتلى سدة الصحافة على مستوى العالم.
واليوم فريد زكريا يتجه إلى السعودية ويصليهاً تجريحاً وتبريحاً بغير وجه حق. وفي هذه المرة يثبت ''زيكو'' أنه يجهل الكثير من المعلومات عن الشرق الأوسط، وهي منطقة بات المثقفون الأمريكان يحفظونها عن ظهر قلب، لأنها تعتبر ــ في هذه الأيام ــ من أخطر المناطق التي تكتظ بالأحداث المروعة التي تتهدد المصالح الأمريكية الكبرى.
يقول فريد زكريا في مقاله الأخير الذي نشره في مجلة ''تايم'' الأمريكية إن السياسة الخارجية للمملكة سيئة ولا مسؤولة، ثم يقول إن سياسة أوباما فاشلة، والبرهان أن السعودية تتعامل مع هذه السياسة بكل ارتياح، ويرى زيكو طالما أن السعودية مرتاحة لسياسة أوباما، فمعنى ذلك أن سياسة أوباما فاشلة!
ويقول زيكو إن السعودية من أكثر الدول مسؤولية عن صعود التطرف والعنف في العالم، وإنها خلال أربعة عقود صدرت نموذج الوهابية إلى العالم، وهو نموذج إقصائي إرهابي، ثم تمادى فريد زكريا في اتهام السعودية بدعم الإرهاب وقال إن السعودية دعمت طالبان وكانت ترتبط بعلاقات وثيقة معها، وهي الآن تدعم السنة في العراق والسنة في سورية، وإنها تمارس الفصل الطائفي ضد إيران وسورية في إطار حربها الخفية ضد الشيعة في هاتين الدولتين.
ويقول زيكو إن السعوديين ينشرون عقيدتهم من الكره وعدم التعايش في كل مراكزهم الإسلامية من ألمانيا حتى إندونيسيا، حتى إن مسؤولاً في الخزانة الأمريكية قال لو خيرت على أن أوقف التمويل عن بؤر الإرهاب في العالم، فيكفيني أن أقطع التمويل السعودي، ويقصد زيكو أن التمويل السعودي إذا انقطع عن المراكز الإسلامية، فإن العالم سينعم بسلام وِأمن دائمين!
ثم يقلل زيكو من أهمية علاقات الصداقة بين السعودية - والولايات المتحدة، ويلخصها في فاتورة واحدة وهي فاتورة النفط، ويرى زيكو أن الولايات المتحدة سوف تستغني قريباً عن نفط الخليج، وسينعكس هذا الاستغناء على مجمل العلاقات السعودية - الأمريكية حتى تصاب هذه العلاقات بالتحلل والجفاف والضعف.
لكنه نسي أن السعودية ليست فقط بئر بترول، إنما تربطها علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة في منطقة من أهم وأخطر المناطق على مستوى العالم، بمعنى أن السعودية ركيزة أساسية لأمن الطاقة العالمي، بل ستكون المصدر الرئيس لبترول جمهورية الصين التي تتنافس مع الولايات المتحدة لبلوغ المركز الأول في الاقتصاد العالمي.
أقول مرة أخرى وثانية وثالثة إن منطقة الشرق الأوسط من أهم المناطق في العالم، وإن السعودية هي اللاعب الرئيس فيها، وإن الأمن القومي الأمريكي لا ولن يستغني عن السعودية لحماية الأمن والسلم والاستقرار العالمي في هذه المنطقة من العالم.
لقد تعرض دان راذرــ وهو من حل محل وولتر كرونكايت ثم أصبح من أهم الإعلاميين الذين برعوا في الساحة الدولية ــ لتهمة السرقة الأدبية، لكن التهمة ثبتت على دان راذر وتم توقيفه نهائيا عن تقديم برنامج ذي سي بي سي إيفننج نيوز، وأذكر أن من أهم الأعمال التي قدمها دان راذر هو الحوار الأخير الذي أجراه مع صدام حسين قبل الاجتياح الأمريكي للعراق بأسبوع واحد، وفي الحوار نصح الرئيس صدام حسين بالاستقالة لإنقاذ الشعب العراقي من حرب لا تبقي ولا تذر، لكن كان صدام كعادته يتوعد الرئيس بوش ويقول قولته الشهيرة العراق سيكون مقبرة للأمريكيين!
إن من أهم الأعمال التي كان فريد زكريا يكتبها وكانت تلفت أنظار القراء والسياسيين في الشرق الأوسط المقالات التي كان يكتبها في ''النيوزويك'' في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) بعنوان ''لماذا يكرهوننا؟ '' أي أن فريد زكريا كان معنيا جداً بلماذا تكره شعوب العالم الثالث الولايات المتحدة، كذلك كان ينتقد بشدة الكيفية التي كانت تدار بها الحرب الأمريكية على العراق.
والآن لم يبق أمام فريد زكريا إلاّ أن يتعظ ويعود إلى صوابه كما كان ويتوقف عن التحامل على دولة لها باع طويل في تحقيق الاستقرار والأمن في كل أنحاء العالم، وإلاّ فإن القارئ الواعي المنصف الحصيف سيلفظه ويأمره بالاعتزال كما أمر من سبقوه!