كوارث الحوادث .. السلامة المرورية حجر الزاوية

في التقرير السنوي للحوادث والمخالفات المرورية للعام الماضي 1434هـ، هناك زيادة واضحة في نسبة المخالفات، في مدينة الرياض على وجه الخصوص، حيث بلغت الزيادة 11 في المائة وهي تمثل ارتفاعا ملحوظا في الممارسات الخاطئة لقائدي السيارات، التي يجب أن تأخذ مسارا منخفضا تجاوبا مع تطبيق الخطة الاستراتيجية الوطنية للسلامة المرورية، التي تهدف إلى الحد من الحوادث المرورية وآثارها، وهي خطة لمدة خمس سنوات يتوقع أن يكون فيها الانخفاض ما يقارب 70 في المائة من إجمالي الحوادث، ومع ذلك فإن زيادة المخالفات تعني زيادة في فعالية تطبيق الخطة، وهذا ملاحظ من تنوع تلك المخالفات التي يأتي في مقدمتها عدم ربط حزام الأمان والوقوف الخاطئ والسرعة العالية داخل المدينة وقطع الإشارة المرورية واستخدام الهاتف الجوال أثناء القيادة.
لقد أسهمت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لدعم البحث العلمي في صياغة هذه الخطة التي أقرها مجلس الوزراء في إطار معالجة شاملة لحوادث المرور في المملكة، فالحلول التقليدية لم تعد مجدية لأنها جزئية ووقتية وليست جذرية، ولذا كان لا بد من منظومة متكاملة للسلامة المرورية تقلل من الحوادث بالحد من السرعة ورفع مستوى الوعي والثقافة المرورية لدى المجتمع ووضع الآليات الدقيقة لضبط السلامة المرورية من خلال نظام متطور متجدد وله آليات حديثة.
إن من المُفترض أن تؤدي العقوبات بحسب مآلها المعتاد إلى تقويم سلوكيات الفرد وتغييرها نحو الأفضل، ثم الحرص على تنمية وعي الفرد تجاه المجتمع لضمان تحقيق الهدف الذي هو في النهاية ناتجٌ جماعي يكتسبه الكل وليس على مستوى فردي. والحقيقة أن نتائج تطبيق نظام ساهر أسهمت في تغيير سلوك سائقي المركبات، وهو ما يمكن معرفته من خلال إحصائية دقيقة توضح كيفية تغير سلوك قائدي المركبات، ومنها انخفاض نسبة الحوادث والوفيات والتلفيات في المركبات والطرق.
إن السلامة المرورية يجب أن تسبق أي برنامج جزائي شامل؛ لأن السلامة المرورية ذات بُعد وقائي، وتهدف إلى تبني جميع الخطط والبرامج واللوائح المرورية والإجراءات الوقائية للحد من وقوع الحوادث المرورية أو منعها، ضمانا لسلامة الإنسان وممتلكاته وحفاظا على أمن البلاد ومقوماتها البشرية والاقتصادية، كما أن العمل من أجل وقاية المجتمع من حوادث المرور يمكن إسناده لشركات ومؤسسات مختصّة في التوعية، فالحوادث لدينا غير عادية في حجم التهور وقلة المبالاة، كما أنها كارثية في خسائرها البشرية والمادية.
إن العقوبات ليست ذات غاية ربحية، بل هي تهدف إلى تغيير السلوك في الدرجة الأولى، وبالتالي هناك بدائل للعقوبات المالية، ومنها سحب الرخصة كعقاب أخير، فهو بمنزلة ''آخر الدواء الكي''، حيث يتم تفادي الوصول بالمخالفين إلى هذه المرحلة ومعاقبتهم بجزاءات، مثل حضور دورة عن السلامة المرورية، وبهذا يتحقق الهدف المعني، وهو تقليل المخاطر ورفع الثقافة المرورية، لسلامة المجتمع ككل.
هناك ضرورة للمبادرة إلى إنشاء المحاكم المرورية. على الرغم من أن هناك اقتناعا بأهمية المحاكم المرورية لأنه لم يعد هناك ما هو في حاجة إلى المناقشة وتبيان فوائده في هذا الإطار إلا أن الأمر صار أكثر إلحاحا في الوقت الحاضر، فغياب مثل هذه المحاكم تتضرر منه عدة أطراف، فتحديد نسبة الخطأ وتعيين مسؤولية من تسبب فيه عملية في حاجة إلى أناس لهم دراية بالأنظمة المرورية وعندهم القدرة على تشخيص ما حدث في الواقع، ومن ثم تحديد حقوق الأطراف ذات العلاقة بالموضوع، وهذا مكانه المحاكم المرورية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي