حين ينسد نفق وينهار كوبري
منذ كارثة سيول جدة وما أحاط بها من غضب رسمي وشعبي، ورغم مرور ثلاث سنوات إلا أن مما يثير الاستغراب هو أن النذير والاستنفار ينام طوال شهور العام ويقفز فجأة من غرقه في النوم على غرق بشر وبيوت وطرق في مطر جاء على حين غرة، عند من يفترض أنهم يعرفون سلفا أنه جاء في موسمه، ومن المفترض واللازم المسبق أن تكون الاحتياطات له قد تم تدبيرها فنيا ولوجستيا وبشريا وإداريا وإعلاميا. لكن كل ذلك مع الأسف كان يغط في نومه أو يتغاطط في النوم على أساس أن لكل حادث حديثا.
وفعلا، لكل حادث حديث. كل شتاء لا تقرع أجراس الخطر فحسب بل وطبول الذعر لنجدة هنا أو نجدة هناك أو لإسعاف هنا وإسعاف هناك، لهواتف ترن دون انقطاع على الدفاع المدني أن أدركونا في هذا الحي أو ذلك الشارع. وهواتف أخرى للبلديات تطلب صهريجا لسحب بحيرة أو بركة وسط الحي أو قناة مائية في هذا الطريق أو ذاك الزقاق، بل وإلى ما هو أبعد من ذلك وأسوأ، نفق ينسد أو كوبري ينهار.
تتقاذف الجهات الملامات وتوزع الأخطاء والخطايا على المديرين ومنفذي المشاريع وعلى مطوري الأراضي وعلى مواصفات الترسية والمناقصات وعلى المقاول الأساس أو الباطن، ويبدو الأمر مثل مباراة عشوائية في كرة القدم على ملعب غير مخطط ولا محدد ولاعبين لا يخضعون للرقابة في الدخول والخروج بالزيادة أو النقصان. مباراة بالاسم، يلهث فيها الحكم بصافرته، ينفذ ضربة خطأ هنا أو هناك وتفلت عن رقابته أخطاء كثيرة في هذا الجانب أو ذاك.
لا يعقل أن يكون موعدنا مع الشتاء موعدا مع النفير للأخطار وبزوغ الألوان الفاقعة للفساد في هذا المرفق أو ذاك المشروع. كما لا يعقل أن يكون الشتاء موسما للاستجارة من الفساد المتستر بطاقية إخفاء حتى الساعة، فلا الجهات المعنية بالمشاريع ألقت القبض عليه، ولا صاحبة الفخامة، هيئة مكافحة الفساد، حركت ساكنا أو أمسكت بطرف خيطه أو اقتفت أثره. ولا حس ولا خبر، حتى بات المواطنون مقتنعين بأنها هيئة لا تهش ولا تنش.
وما دام الأمر كذلك، وهو كذلك بالفعل، فإلى أين نحن سائرون حين ينسد نفق وينهار كوبري؟!