إنهاك إيران في سورية

أعلن عضو لجنة الدفاع في البرلمان الإيراني، وجود كتائب إيرانية عدة تحارب في سورية، وأعلنت الحكومة الإيرانية مقتل ثاني جنرال من الحرس الثوري في سورية. تصاعد التدخُّل الإيراني المباشر بعد تدخُّل حزب الله بأمر وتمويل من إيران يدل على تعاظم اعتماد النظام السوري على إيران مالياً وعسكرياً وتنظيمياً ''أهمية الدعم الروسي أكبر سياسياً ودبلوماسياً''. أصبح الدور الإيراني رقماً صعباً في المعركة، حيث بدا واضحاً أن النظام السوري لا يستطيع الصمود، أما الأغلبية المعارضة ولو أن الجزء المسلح منها ليس كبير عدد أو عدة. استطاعت إيران تحويل المعارضة من سياقها كجزء مما يسمى الربيع العربي إلى حرب أهلية ذات صبغة طائفية. هذا البُعد يخدم إيران في المدى القصير إذا استطاعت حسم المعركة سريعاً، ولكنه خطير وفي تشابه مع تورُّط أمريكا في فيتنام إذا أثبتت المقاومة ضراوة وطول نفس إلى حد هزيمة نظام بشار.
لأسباب معقدة يتداخل فيها القومي مع الأيديولوجي وجدت إيران نفسها في حالة توسعية، فالبُعد العقدي ما زال يحرّك إيران رسالياً ولكنها تتصرّف من منطلق قومي محسوب. لعل المتحرّك في المعادلة هو استعداد إيران على المراهنة الجيواستراتيجية على بقاء نظام الأسد والاستعداد بالتضحية مالياً وبشرياً. قد تكون إيران دخلت القفص، فالخروج ولو تدريجياً مكلف معنوياً وسياسياً داخلياً وخارجياً، والمواصلة ستكون مكلفة أكثر وقد تنتهي بهزيمة أو نصر قريب من الهزيمة مما يعرّض إيران لمزيد من الضغط على جميع الأصعدة. تأتي فيتنام إيران في ظل وضع مالي واقتصادي غير مناسب على الرغم من دعم العراق. خسر الريال الإيراني نحو 60 في المائة مقابل الدولار، والتضخم يصل إلى نحو 40 في المائة ولم تستطع حكومة نجاد إصدار ميزانية العام الماضي، وأسعار النفط في نزول، ورفع العقوبات لن يأتي سريعاً حتى في أحسن الظروف. هذه الأوضاع لا تسمح لإيران بالاستمرار في خوض مغامرات خارجية وفي حالة مستميتة للحصول على السلاح الذري. الوضع غير قابل للاستدامة إذا استمرت المقاومة السورية. الخطة الثانية لإيران في إيجاد كيان علوي على غرار حزب الله، وهذا تحد آخر مكلف.
تعمد إيران على تسريع وتيرة الحرب لعل الحسم يأتي لتخفيض المخاطر والتكاليف، ولكن الإشكالية في نموذج فيتنام أنه، كما ذكر هنري كيسنجر، في أن الدخول في الحرب سهل، ولكن الخروج أصعب بكثير. كذلك كان تدخل مصر الناصرية في حرب اليمن الأهلية سبباً في إنهاك الجيش والاقتصاد وفرصة لإسرائيل. تذكر بعض المصادر أن إيران تصرف ما بين 200 و500 مليون دولار شهرياً عدا دعم حزب الله، وحتى لو افترضنا الحد الأدنى فإن إيران ستواجه خيارات صعبة في ظل انخفاض أسعار النفط. أحد الإرهاصات التي يصعب قياسها، مدى تنامي المعارضة للحرب، كما حدث في حرب فيتنام، فقد رفع الإيرانيون شعارات ضد دعم حزب الله في أثناء المظاهرات المصاحبة لتزوير انتخابات 2009.
إنهاك إيران بسبب طموح قياداتها واستغلال التجييش الطائفي قد يكون وصل إلى نهايته المنطقية، فكما كان خياراً عملياً مفيداً وغير مكلف في البداية أصبح مكلفاً سياسياً ''تناقض البُعدين الأيديولوجي والقومي في السياسة الإيرانية من جهة، وانكشاف حزب الله كمخلب إيراني'' وماليا إلى حد صعوبة الاستدامة. رغبة إيران في حل الملف الذري يصعب فصلها عن تداخل الوضع السوري مع الحالة المالية لإيران. فبدلا من كون التواجد الإيراني في سورية كورقة توظف للهدف الإيراني الأهم: الحصول على السلاح الذري أصبحت مصيدة للضغط على إيران حتى في ظل تراجع الدول الغربية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي