من ينقذ المنشآت الصغيرة؟
مما لا شك فيه أن تمويل المنشآت الصغيرة موضوع شائك وزاوية حادة جدا من زوايا الاقتصاد لأي دولة، لأن المنشآت الصغيرة تعتبر أكبر محرك لأي اقتصاد مهما كبر حجمه. فبينما تمثل الشركات الكبيرة والمتوسطة في أمريكا أكثر من 40 في المائة من حجم الإنتاج الوطني، تمثل الشركات والمنشآت الصغيرة أكثر من 45 في المائة من حجم الاقتصاد الأمريكي.
إن معظم رواد الأعمال الجادين الذين يمتازون بالإصرار على تحقيق أحلامهم، يستطيعون الحصول على تمويل لإنشاء مشاريعهم بطريقة أو بأخرى، إلا أن هناك مشكلة أكبر تواجه المنشآت الصغيرة خصوصا في المملكة.
المشكلة التي تواجه المنشآت الصغيرة بعد بدايتها، والتي تهدد وجودها واستمرارها، هي تمويل عملياتها أو رأس المال العامل. نقول هذا لأن رأس المال الذي يتوافر لإنشاء المشروع عادة ما يستنفد في شراء الأصول اللازمة ودفع المصاريف الثابتة للفترة الأولى، مما يؤثر في التدفقات النقدية للمنشأة، لتجد المنشأة نفسها أمام خيارين أحلاهما مر، فإما أن يتم دفع المصاريف الثابتة، أو تمويل عمليات المنشأة، وفي كلا الخيارين نهاية المنشأة، مع أنها منشأة ناجحة! فهل من المعقول أن نضحي بهذا الكم الكبير من المنشآت الصغيرة الناجحة لأنها لا تستطيع تمويل عملياتها؟ ومن الضروري أن نبين أن هذا الأمر يمثل تهديدا كبيرا لاقتصاديات دول الخليج بشكل عام، والمملكة بشكل خاص.
نستطيع أن نلقي باللوم على بنوكنا الوطنية، والتي لا تضع المنشآت الصغيرة في عين اهتمامها، وتركز على القروض الاستهلاكية بإفراط مما يؤثر سلبا في التضخم و ميزان مدفوعات الدولة. ومع هذا، فإني ــــ وكثير مثلي ــــ قد تجاوزنا البنوك ودورها السلبي مع المنشآت الصغيرة، وأخذنا بالتفكير في حلول أخرى. قد يتجه البعض للاقتراض الشخصي، أو تأخير دفع المصروفات الثابتة لكي يستطيع تمويل رأس المال العامل، إلا أن هذه الحلول لا تعدو كونها مورفين يؤجل المشكلة ولا يحلها.
إن الحل المقترح لحل مشكلة تمويل رأس المال العامل للمنشآت هو باستحداث بنك أو صندوق استثماري لهذا الهدف، فإذا كنت صاحب مصنع صغير، ولدي طلبات شراء ولكني لا أمتلك المال الكافي لشراء المواد الخام، فأستطيع تمويل هذه الطلبات عبر عقد بيني وبين المشتري وبين البنك، وبهذا يكون البنك على اضطلاع بجميع أطراف عملية التمويل. إن استحداث هذا البنك أو الصندوق أصبح أمرا ملحا، وأستطيع أن أقول جازما إن وجود هذا البنك سيساهم في رفع الإنتاج القومي للمملكة بأكثر من 3 في المائة سنويا على أقل تقدير.