الجمعية الوطنية للمتقاعدين.. في موقف صعب
تتعرض الجمعية الوطنية للمتقاعدين في هذه الأيام لما يشبه الهوجة العاصفة، والهوجة هي زوبعة تنذر بزلزال يعرض الجمعية للسقوط في َوحْلِ الخلافات.
ونحسب أن أصغر الأعضاء في الجمعية يتجاوز عمره الـ 60 عاماً، وهذه السنوات كافية كي تكسب الإنسان وعياً وإدراكاً لخطورة الخلافات المشخصنة.
والمشكلة أن لفيفاً من الأعضاء تصادموا مع رئيس الجمعية واتهموه بالشطط والتسلط والانفراد بالإدارة بعيداً عن أعضاء الجمعية العمومية. أكثر من هذا، فإن عدداً كبيراً من أعضاء الجمعية ذهبوا إلى الصحف يتظلمون ويتهمون الرئيس بأنه ألغى الانتخابات الفرعية بحجة إن البعض مارس عمليات شراء الأصوات، كذلك زعموا أن رئيس الجمعية يمالئ العسكريين على حساب المدنيين، واتهموه بأنه ضيع أموال الجمعية في الدخول في مغامرة استثمار أموال الجمعية في سوق الأسهم مما أدى إلى خسارة الجمعية ــــ على حد قولهم ـــ لمبلغ يقدر بـ 600 ألف ريال.
والواقع أن هذه الهوجة أحدثت في نفوسنا ما يشبه الصدمة لأنها تأتي من أناس يفترض أن يكونوا على درجة عالية من الوعي والبصيرة، وكان المفروض أن يدركوا أن الخلاف يفرِّق ولا يجمع، يمزِّق ولا يلحم، يشرذم ولا يوحِّد، ويكفي أن نقول بأن الجمعية ولدت من أجل أن ترعى أعضاءها في مرحلة أخيرة من العمر المديد، مرحلة هم أحوج ما يكونون إلى التراحم والتعاون والإخاء.
نعم، المفروض أن يتمتع أعضاء الجمعية الوطنية للمتقاعدين بكثير من الهدوء والكياسة وحسن التدبير لأن السنوات التي مروا بها كافية كي تمدهم بالخبرة وتؤكد لهم أن الصدامات والخلافات ستلحق بهم وبجمعيتهم الموقرة الكثير من الأضرار، وكان المفروض أن تكون جمعية المتقاعدين مثلاً أعلى لكثير من جمعيات المجتمع المدني.
إن أول الأسباب المؤدية إلى الخلاف بين عدد كبير من الأعضاء ورئيس الجمعية هو غياب نظام شفاف يعالج جميع الخلافات بأسلوب حضاري بعيداً عن الاختلافات وبعيدا عن الحسابات الشخصية.
وفي مسألة كهذه الهوجة كان يكفي أن ينص النظام على طلب عقد اجتماع استثنائي للجمعية لمناقشة القضايا المختلف عليها، وفي الاجتماع يتم التصويت على كل القضايا بما في ذلك تغيير الرئيس، وإذا كانت الأغلبية ترى ما ترى، فعلى الجميع احترام رأي الأغلبية وتنفيذ قراراتها.
وأحسب أن وزارة الشؤون الاجتماعية ''بالتعاون مع وزارة الخدمة المدنية أو مصلحة معاشات التقاعد'' هي الجهة التي كان يجب أن تصدر لائحة لجمعية المتقاعدين كتلك التي صدرت لجمعية الموظفين، وأن تكون هذه اللائحة جامعة مانعة، جامعة لكل الأعضاء، ومانعة لأي خلافات قد تنشب بين الأعضاء. إن لائحة جمعية المتقاعدين كان يجب أن تطرح الخلافات للمناقشة والحوار، بل كان يجب على لائحة الجمعية الوطنية للمتقاعدين أن تضع قواعد تشكيل الجمعية العمومية، وتوضح اختصاصاتها، وفي مقدمة هذه الاختصاصات انتخاب أعضاء مجلس الإدارة، لأن الجمعية العمومية ـــ في أي مؤسسة ـــ هي أعلى سلطة فيها، أماّ بالنسبة لمجلس الإدارة فإن اللائحة يجب أن توضح حدود وظائفه، كذلك يجب أن توضح اللائحة كيف الوصول إلى تسويات وتوافقات بالطرق الشورية المتعارف عليها في أرقى الجمعيات تنظيماً وأداء.
ولعل أهم ضمان للائحة الجامعة المانعة أن تفصل بين العسكريين والمدنيين، فهؤلاء مشارب، وأولئك مشارب أخرى، ونحن نعرف أن العسكريين لهم كادرهم الوظيفي المستقل، كما أن المدنيين لهم كادرهم الوظيفي المستقل.
والآن المطلوب من وزارة الشؤون الاجتماعية أن تتحرك وتتدخل لفك الاشتباك بين أعضاء الجمعية وبين رئيس الجمعية قبل أن تستفحل الأمور ويصعب حل ما يمكن حله بالطرق الودية والأخوية.
ولا بد أن يمتد تدخل الوزارة إلى مراجعة دقيقة لنظام الجمعية أو للوائح الجمعية ومناقشة أسباب عدم اللجوء إلى صحيح النظام للوصول إلى حلول ودية عبر الحوار الحضاري قبل الوصول إلى مصادمات تنشر في وسائل الإعلام وتشوه الصورة الجميلة لهذه الجمعية الفتية.
ونزعم أن الخلافات بين أعضاء الجمعية الوطنية ورئيسها أشغلت الجمعية عن تحقيق المشاريع التي وعدت بها، فالجمعية لها أهداف معلنة كثيرة، ولكن للأسف أشغلت نفسها بالدخول في مهاترات وخلافات لا تسمن ولا تغني من جوع.
ولعل من أهم التطلعات التي كان الأعضاء يتطلعون إليها البحث عن وظائف تتناسب مع القوى العاملة ذات الخبرة العالية للمتقاعدين، ومن التطلعات أيضاً التي كانت تلوح في أروقة الجمعية تنفيذ مشاريع الإسكان، وكذلك رفع الحد الأدنى لمعاشات المتقاعدين، وكذلك تحقيق مشروع التأمين الصحي، وهو المشروع الحلم الذي بدأ يتلاشى، وغير ذلك من المشاريع التي كان يحلم بها المتقاعدون والتي راحت بين أرجل الخلافات والتحديات الشخصية والعنترية.
أقول مرة أخرى إن الخلافات العنترية ضيعت الجمعية، ونخشى أن تضيع أعضاء الجمعية الذين انشغلوا بالخلافات والبحث عن الانتصارات الجوفاء.
إننى أتمنى على جميع أعضاء الجمعية الوطنية للمتقاعدين أن يجتمعوا على كلمة سواء، وأن يحكموا العقل فيما هم فيه يختلفون، فالمتقاعدون في حاجة إلى من يأخذ بأيديهم وليسوا في حاجة إلى خلافات جانبية تضيع كل فرص الحياة الكريمة!