المتقاعسون

من الصعب معرفة مجموع الآثار السلبية المترتبة على تقاعس إحدى الجهات المسؤولة عن تنظيم مصالح المواطنين، ولكن من السهل جدا ''الإحساس'' بمدى تفاقم الأمور. الأخطاء تحدث، وهذه طبيعة البشر، ولكن الإهمال وترك الحبل على الغارب أمر لا يمكن القبول به والسكوت عنه، خصوصا حين يتعلق الأمر بالتقاعس عن رعاية مصالح المواطنين، والذين من أجلهم ولرعايتهم ولتسهيل حياتهم أسست الدوائر الحكومية الخدمية. تثبت الوقائع، سواء في بلادنا أو في بلاد العالم، أن السكوت عن الأخطاء الصغيرة يؤسس لبيئة خصبة للتهاون والتقاعس والفوضى. في بلادنا شهدنا أحداثا مأساوية تركت آثار حزن عميقة في نفوسنا، أحداثا كان يمكن تلافيها لو لم يكن التقاعس سيد الموقف، لعل آخرها حادثة سيول جدة. والحقيقة أن القوانين البلدية ومواصفات البناء لم توضع إلا للحماية والتنظيم، والحياد عنها والتقاعس عن التأكد من اكتمالها لا يؤدي إلى ما يحمد عقباه كما تؤكد ذلك المشاهدات والوقائع. ومن هنا تأتي أهمية الخطاب الموجّه من أمير منطقة مكة إلى أمين محافظة جدة بضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة حيال ارتفاع عدد الشكاوى ضد الأمانة حول مخالفات البناء، ووجوب الحد منها.
فما نشرته ''الاقتصادية'' عن الخطاب الذي أرسله الأمير خالد الفيصل إلى الأمين والذي ذكر فيه أن مخالفات البناء في المنطقة أصبحت تأخذ شكل ''ظاهرة''، وأن ''خلل وتهاون'' مراقبي البلدية في الرقابة الميدانية المبكرة، ومنع وإزالة أي مخالفة منذ بدايتها، ساهم في تفاقم المشكلة إلى حد وصولها إلى الظاهرة، يأتي كتأكيد على أنه ليس من المقبول إطلاقا أن يكون واقع مدينة جدة واقعا تغلب عليه التجاوزات والمخالفات. والحقيقة أن ضعف الرقابة البلدية تم استغلاله من المخالفين، حتى أصبحت كثير من الأحياء في جدة مشوهة وغير متناسقة، وربما انطوت المباني على مخاطر إنشائية خطيرة قد تؤدي إلى انهيارات في المباني. خطاب الأمير خالد الفيصل عبَّر عن ذلك حين ذكر أنه ''من خلال دراسة الشكاوى والتظلمات المقامة ضد أمانة جدة، يتضح وجود مرتكبين لمخالفات البناء يحرصون على استكمال مشاريعهم بشكل سريع، لجعلها واقعا أمام البلديات بقصد الاستفادة منها بعد تطبيق الغرامات عليها''.
إن العدالة تقتضي أن يتم تنفيذ جميع مواصفات البلدية والأمانة بحزم دون تفرقة، وبشكل يمنع من يسابقون الزمن كي تكون مواقعهم واقعا لا تضر معه مبالغ المخالفات، ذلك أنهم سيعوضون مخالفاتهم من خلال الاستفادة التجارية من المبنى المخالف. إن الآثار السلبية والكوارث التي قد تقع نتاج المخالفات في المباني من الخطورة ما يجعل من الواجب عدم التهاون في مثل هذا الأمر تحت أي ظرف كان.
إن خطاب أمير منطقه مكة المكرمة الموجّه إلى أمين محافظة جدة، يأتي كتأكيد على أنه لم يعد من المقبول التقاعس والتهاون عن تطبيق القوانين والإجراءات الإنشائية والعمرانية والتي لم توضع في الأساس إلا لضمان سلامة المواطنين والحفاظ على جمال مدينة جدة وتناسقها العمراني. لا بد من زيادة أعداد مراقبي البلدية بما يضمن التأكد من أن مدينة جدة ''ومدننا كافة بطبيعة الحال) ضمن النطاق المقبول دوليا للمخالفات العمرانية. كما ينبغي وضع أشد العقوبات على المراقبين الذين يثبت تساهلهم في القيام بأعمالهم وواجباتهم المنوطة بهم، وينبغي إخضاع المراقبين الميدانيين للتدريب المتقدم والذي سيساهم في تحسين كفاءة إنتاجهم العملي. وإضافة إلى ذلك ينبغي تقديم الحوافز المالية للمراقبين الميدانيين بما يتناسب مع طبيعة الدور الحيوي والمهم للأعمال المنوطة بهم. أما المخالفين فلن يردهم سوى قوة وصرامة تطبيق القوانين واللوائح، قوة تفرض هيبة القوانين والأنظمة وتحمي معها الأهداف التي من أجلها وضعت المواصفات الإنشائية والعمرانية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي