قيادة المرأة للسيارة .. قرار الدولة
إنه لمؤسف حقاً أن يصبح ما هو حق طبيعي أصيل للإنسان ـــــ وهو الحركة ـــــ محل مغالطة مبتذلة حين يتعلق الأمر بحركة المرأة، وليبدو الأمر وكأن مصيبةً أو كارثةً ستحل بنا لمجرد أنه لم يعد بوسعها أن تتحرّك مستخدمةً قدميها وسيلةً للتنقل، حيث فرض التطور السيارة بديلاً تلقائياً تمتع الرجل عندنا باستخدامها ومُنعت المرأة منها؛ لتبقى حبيسة المكان لا تغادره إلى مكان آخر إلا مع الرجل (محرماً!!). ثم جاء باب الاجتهاد التنموي ليمسخ حقها الطبيعي الأصيل ليصبح حقاً "قانونياً" للسائق الأجنبي!
السجالات الفقهية أو القانونية والمماحكات الكيدية أو المتحمسة أو جاهزية المجتمع من عدمها ومعها التبريرات الاقتصادية، البيئية، النفسية، وذرائع الاستبيانات مع وضد أو الاستشهاد بسلبيات قيادة المرأة في الغرب إلى مهزلة المبايض وغيرها من أنواع فوبيا درء المفاسد، كلها جملةً وتفصيلاً، ليست سوى مشاجب وشماعات واهية ثبت تهافت شبيهاتها بمجرد صدوع الدولة بقرارها.. بدليل أن تلك الممانعات المتزمتة الحادة ضد تعليم المرأة والأطباق اللاقطة وجوّال الكاميرا والدمج في وزارة التربية والتعليم والإجازة الأسبوعية صارت اليوم واقعاً فاقع اللون، فالتقدُّم لا يقوده التخلُّف، والاستنارة لا تقدح وهجها العتمة، والوعي لا يطرق للغوغاء.
أما وقد لاحت بارقة إحقاق هذا الحق بطرح القضية في مجلس الشورى، وكان محل عناية واهتمام دراسة وتوصية ثلاث عضوات فقط، "لطيفة الشعلان، هيا المنيع، منى آل مشيط" من بين 30 عضوة، فإن هذا يطرح تساؤلاً مصيرياً عن دور الأخريات: كيف ولماذا لم يبادرن جميعهن إلى حشد جهدهن لهذه الدراسة والتوصية؟ فقد كان المجتمع يتطلع إلى مبادرتهن جميعاً بالدفاع عن قضيتهن، خصوصاً أن الدولة لم ترشحهن لعضوية هذا المجلس إلا لأنها كانت ولا شك تنتظر منهن أن يكن قوة دفع لكل ما فيه خير للوطن والمواطن.
وعندما يتقاعس بعض عضوات "الشورى" عن الاحتشاد للدفاع عن هذا الحق الطبيعي الأصيل للمرأة.. فكيف سيدافعن عن الحقوق الوطنية الأخرى التي تعرض على المجلس طالما لم يستشعر المجتمع منهن كل الزخم المفروض لقضيتهن المصيرية الخاصّة.. ولا سيما أن بعضهن وربما معظمهن لسن فقط يؤمنّ بحق قيادة المرأة للسيارة، بل تمتعن بكامل هذا الحق في الخارج سواء مَن كانت منهن في مهمة عمل جليلة أو مَن كنّ طالبات علم أو في سياحة.
إن ترك اللغط يدور لربع قرن حول حق قيادة المرأة للسيارة دون حسم لا ينزل بهذا الحق الطبيعي الأصيل إلى مرتبة الحق المكتسب فحسب، وإنما يتناقض مع أهلية المرأة للعلم والعمل والأمومة، ويسير بنا في اتجاه معاكس تماماً لكل ما طرحناه من أهداف وسياسات واستراتيجيات عن تمكين المرأة في التنمية.. أما وأن التمكين لها قد شق طريقه في قيادة مشرّفة للمرأة في العلم والعمل وإدارة شؤونها الأسرية على نحو لا يقبل اللغط والمغالطة، وأن مشاجب وشماعات الأعذار استُنفدت.. فإن المجتمع لم يكن أشد جاهزية وأكثر انتظاراً منه اليوم لقرار من الدولة يسمح لها بذلك!!