استراحة العيد

كنت أخطط لرحلتي إلى المدينة المنورة خلال إجازة الربيع العام الماضي. حاولت أن أحجز شقة في المدينة، فلم أتمكن من خلال الوسائل التي يستخدمها العالم كله، فلم يكن مني إلا أن اتصلت بقريب هناك لأبلغه برغبتي في استئجار شقة "هذا في القرن الحادي والعشرين". زار المسكين أكثر من عشر عمائر، رفض كل الملاك أن يحجزوا الشقة، أو يحددوا السعر الذي يريدون لتأجيرها. السبب كان ببساطة: دعنا ننتظر حتى يأتي وقت الإجازة ونبلغك.
وجد قريبي إحدى الشقق الجيدة، التي وافق موظفوها على الحجز بسعر يعادل أربعة أضعاف السعر المعقول للشقة. سألني إن كنت أرغب في الشقة، فطلبت منه الانتظار حتى أستشير، لأن الموقع كان بعيداً عن الحرم، من شدة خوفي اتصلت به خلال خمس دقائق، ولكنه أبلغني أن الشقة تم حجزها. لئلا تملوا من القصة، أصل إلى النهاية، وصلت إلى المدينة المنورة واستأجرت قرب الحرم بمبلغ يقل عن نصف المبلغ الذي طلبه صاحب الشقة. هذه الحالة من الجشع وعدم الانضباط هي عينة لما يحدث في كثير من الشركات والمؤسسات ومواقع الخدمة التي يتصرف ملاكها على هواهم مع مستهلك ليس له أحد يحميه.
أخذتني رحلة طويلة إلى زيارة عدد من الاستراحات التي تمتد على طول الطريق الدائري الشمالي في الرياض. الهدف كان البحث عن مكان تجتمع فيه مجموعة الأسرة الممتدة. رحلة لم أتوقع أن تكون بهذا القدر من التمايز والإجهاد. بحثنا في مجموعات متفرقة تقع فيها الاستراحات دون تنظيم واضح سوى وجود لوحات تعطي للاستراحة رقماً يختلف عن جارتها. الرقم قد يكون وسيلة للإحصاء، وليس التنظيم كما هو متوقع.
أستطيع القول إن التنظيم هو أبعد ما يكون عن هذه الاستراحات. المساحات ليست محددة، فيمكن لمن يملك أرضاً صغيرة أن ينشئ استراحة، وإن لم تحقق الحد الأدنى من المتطلبات. يقودني هذا إلى قضية أخرى وهي اختلاط استراحات العزاب مع استراحات العائلات. لعل السبب الرئيس هو عدم تنظيم عملية الاستثمار في هذا المجال، فما تحتاج إليه العائلات يختلف عن احتياجات العزاب، سواء في التجهيزات أو التخطيط العمراني أو مستلزمات الفصل التي يتبناها المجتمع كقاعدة متعارف عليها.
تحتاج المواقع المخصصة للاستراحات إلى الفصل عن مناطق السكن العام. ذلك أن مستخدمي الاستراحات يرغبون في الترفيه والاستمتاع بجو الاجتماع الذي تتيحه الفترة التي يوجد فيها أغلب أعضاء الأسرة معاً. لاحظت أن كثيرا ممن بنوا منازلهم بالقرب من الاستراحات يعرضونها للبيع، وهم لا يلامون وإنما اللوم على الجهات البلدية التي ترخص لمبانٍ سكنية وسط الاستراحات أو العكس.
يحدد صاحب الاستراحة السعر الذي يريد بناء على ضغط الحجوزات على الاستراحة وما جاورها، ولذلك تجد أسعاراً مبالغاً فيها بالنسبة للأعياد، حيث يمكن أن يرتفع السعر بنسبة تصل إلى 500 في المائة من أسعار الإيجار اليومي. بل إن البعض منهم يبدأ بسرد تكاليف بناء الاستراحة وإدارتها في محاولة لإثبات السعر الذي يطلبه. معلوم أن أسعار الاستراحات ارتفعت بشكل مطرد خلال السنوات العشر الأخيرة. ليس هناك أي جهة التزمت بالسيطرة على السعر وكبحت هذا الارتفاع الجنوني أو أوقفت ما يفعله هؤلاء.
على أن السعر لا علاقة له بالمرافق الموجودة أو مستوى الخدمة أو النظافة التي تتباين بشكل كبير. الأغلبية تبني على أسعار الاستراحات المجاورة وحجم الحجوزات التي وصلت إليها، رغم أن كثيرا منها ليست مؤجرة حين كنا نسأل، إلا أن الملاك كانوا يطمعون في المزيد. هذا الإهمال من الجهات المنظمة أوجد الطمع والتنافس في تحقيق المكاسب على حساب المستهلك الذي لا يعلم لمن يشتكي.
أستغرب لماذا لم تصنف هذه المنشآت بشكل واضح، ولماذا لا يكون التصنيف واضحاً في لوحات على بواباتها تحدد عدد النجوم التي استحقتها والسعر الذي يجب أن يدفعه المستأجر، ورقماً يلجأ إليه الجميع في حالة المخالفة، وهو إجراء تستخدمه أغلب دول العالم للسيطرة على عملية الاستغلال هذه.
أصدقكم أنني لا أعرف الجهة المسؤولة عن هذه الاستراحات، فهل هي وزارة التجارة أم وزارة البلديات وفروعها التي تنتشر فيها البلديات أو الهيئة العامة للسياحة. يجب أن تكون هذه الجهة معلومة، وأن تتولى عملية السيطرة على مجموعة المشكلات التي تسببت فيها هذه الاستراحات سواء في قضية التخطيط العمراني للمساكن، أو توزيع الاستراحات بين العائلات والعزاب، أو التسعير المنطقي أو تحديد الحد الأدنى للخدمات التي لا تقننها أي هيئة إلى الآن.
يجب أن تكون هناك جهة يتعامل معها المواطن، وليس خمس أو أربع جهات يتفرق دم المخالفة بينها، تكون لهذه الجهة صلاحية تنظيم القطاع ومراقبته وفرض العقوبات النظامية على المخالفين، وإلا فسيستمر الاستغلال الجائر للمواطن المسكين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي