مَــنْ ضحك على مَــنْ؟

المضحوك عليه أو من تم استغفاله بجدارة هنا هو الرئيس الأمريكي باراك أوباما المشرّع السابق وخريج جامعة هارفرد النخبوية، وذلك بسبب تخبطه وتردده وعدم قدرته على حسم الأمور، ناهيك عن سياساته الخارجية، التي لا تليق بدولة يـُنظر إليها على أنها القوة العظمى الوحيدة في عالم ما بعد الحرب الباردة. أما الآخر المضحوك عليه فهو وزير خارجيته جون كيري، الذي لئن كان يتفوق على رئيسه بأشواط لجهة تمرسه في العلاقات الخارجية والشؤون الدولية، فإنه تم استغفاله حينما بلع الطعم يوم أن سأله مجرد مراسل صحافي مغمور في الشهر الماضي عما إذا كانت بلاده ستجنب نظام الأسد الحرب والعقاب والمساءلة لو وافق على تدمير مخزونه من الأسلحة الكيماوية الفتاكة، فكانت إجابته بنعم!
وهذا النعم كان كافيا ليقلب المشهد رأسا على عقب، ويتحول التهديد الأمريكي والأوروبي بقصف سورية جوا، كعقاب لنظامها على ما اقترفه بحق مواطنيه حينما وجه إليهم ترسانته من الغازات السامة المحرمة دوليا، إلى عملية دبلوماسية غايتها وهدفها الأسمى مجرد نزع أنياب الأسد الكيماوية فقط. وكأن مئات الآلاف من الشهداء السوريين، والأمهات الثكالى، والأطفال المشردين في مخيمات البؤس والشقاء في الأردن وتركيا، والنازحين إلى مختلف بقاع العالم، الذين تسببت آلات الأسد الحربية التقليدية في إزهاق أرواحهم على مدى عامين ونصف لا تستوجب معاقبة نظام دمشق.
والمعروف أن الروس استغلوا إجابة كيري المتسرعة ووظفوها أفضل توظيف ليس لدفع الحرج عن أنفسهم جراء مناصرتهم لنظام همجي قاتل وإطالة عمره، وإنما أيضا للعودة بقوة إلى المسرح الدولي كقطب عالمي على قدم المساواة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا تحديدا ما سعت إليه موسكو منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق وبروز النظام الدولي ذي القطب الواحد، فتحقق لها ذلك بالصدفة المحضة وبأسهل الطرق بفضل خبث ودهاء وزير خارجيتها المتجهم سيرجي لافروف من جهة، وتردد وتخبط أوباما وتسرع قائد دبلوماسيته جون كيري من جهة أخرى. حيث ورط الروس الأمريكيين في اتفاقية لا يـُعرف حتى الآن كيف ستنفذ، وكم يستغرق تنفيذها، بل لا يـُعرف حتى مدى التزام نظام دمشق بتنفيذ بنودها المطاطة.
ولعل ما يثير السخرية ويدعو للرثاء أن الرئيس الأمريكي لم يكتف بفشله واستغفال الروس له ولوزير خارجيته، وإنما راح يتشدق أمام الصحفيين خلال مقابلته لرئيس الحكومة الهندية مانموهان سينج في البيت الأبيض في 27 أيلول (سبتمبر) الماضي بأن قرار مجلس الأمن الدولي حول السلاح الكيماوي السوري هو انتصار هائل للمجتمع الدولي مضيفا ''أنه لأمر طالما أردناه منذ زمن طويل''. وهذا وحده يكفي دليلا أن أوباما حينما توعد نظام الأسد بالعقاب وأرسل سفنه وحاملات الطائرات الأمريكية إلى قبالة السواحل السورية كان غير جاد ويستغفل العالم قبل أن يستغفله الروس ببراعة. فعن أي انتصار يتحدث أوباما وقرار مجلس الأمن المذكور لم يـُختبر بعد على الأرض، ناهيك عن أنه يتضمن فقرة أصر عليها الروس، وهي الفقرة الخاصة بإعادة ملف السلاح الكيماوي السوري إلى مجلس الأمن مجددا إذا تبين للمفتشين الدوليين أن دمشق تراوغ في تنفيذه. ألم يتنبه أوباما وكيري أنه في هذه الحالة يمكن للروس أن يعودوا مجددا لتعطيل أي قرار أممي ضد حليفتهم السورية عبر استخدامهم لحق النقض الفيتو للمرة الرابعة خلال أقل من ثلاث سنوات، خصوصا أن ما تم الاتفاق عليه بين موسكو وواشنطن لم يشر إلى الفصل السابع الذي يتيح للمجتمع الدولي حق استخدام القوة لتنفيذ قراراته دون العودة إلى مجلس الأمن.
من جهة أخرى، فإن إدارة أوباما الديمقراطية تم استغفالها من قبل الإيرانيين فحق من جديد التساؤل عن مدى كفاءة أول رئيس أمريكي أسمر لجهة إدارة سياسات بلد في حجم ومركز وقدرات بلده. والحقيقة أن مثل هذا السؤال أجاب عليه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، الذي يعتبر أحد أعمدة الحزب الديمقراطي الأمريكي الحاكم، وذلك حينما وصف أوباما بالرئيس غير الكفء، مضيفا أنه لم يسانده في حملته الانتخابية الأولى إلا من أجل أن تشغل زوجته هيلاري حقيبة الخارجية.
لقد انخدع أوباما بتصريحات القيادة الإيرانية الجديدة وبنى عليها الآمال، وراح يفتح لهم ذراعيه، دون أن يحصل منهم إلا على الوعود ومعسول الكلام وإطلاق عدد محدود من سجناء الرأي الذين تكتظ بهم المعتقلات الإيرانية. فعل أوباما ذلك وهو يعلم علم اليقين أن طهران متورطة حتى النخاع في ذبح الشعب السوري، وإحداث القلاقل والفتن ليس في بلاد نائية لا مصالح استراتيجية لبلاده فيها، وإنما في دول تعتبر تاريخيا من أخلص الحلفاء للولايات المتحدة كدول الخليج. وفعله وهو يدرك جيدا أن طهران لم تتحرك حتى قيد أنملة في طريق الديمقراطية والإصلاح السياسي واحترام حقوق الإنسان الإيراني الذي لطالما صدّع به رؤوس العالم منذ انتخابه كرئيس للولايات المتحدة.
أما آفة الآفات فهي أن رئيسا بهكذا مواصفات وسياسات وقصر نظر خاطب العالم أخيرا من فوق منصة أكبر محفل دولي ليضع سورية والعراق والبحرين في سلة واحدة ويتهم أنظمتها بسلوك منهج طائفي، متعمدا بذلك تضليل وتزييف الحقائق حول أوضاع البحرين أمام العالم. فهل يعي هذا الرئيس الأمريكي ما يقول؟ ألا يوجد ضمن طاقمه شخص رشيد ينصحه بقراءة كتاب عن تاريخ البحرين.. الوطن الذي يفتخر بتسامحه الديني وتعددية مجتمعه؟ ثم أين العقل في تشبيه سورية والعراق بالبحرين لجهة ما يجري فيها؟ ألم تصله أخبار العملية الديمقراطية التي تم تدشينها في البحرين، وما رافقها من إصلاحات سياسية منذ أكثر من عقد من الزمن؟
وخاتمة الكلام هي أن الروس والإيرانيين ليسوا وحدهم الذين ضحكوا على إدارة أوباما! فلبنان الصغير الغارق في مشاكله الداخلية المعقدة، الذي لا توجد فيه حكومة منذ نحو عام، استطاع أن يستغفل أوباما أيضا من خلال الادعاء بأنه ينأى بنفسه عن المستنقع السوري، فيما الحقيقة أن مكونا من مكوناته، ألا وهو حزب الله الإرهابي، غارق حتى النخاع في القتال إلى جانب نظام الأسد، بل يهدد دول الخليج الحليفة لواشنطن جهارا ونهارا، دون أن يطوله أي عقاب أو ردع من السلطة اللبنانية الرسمية، بل تجاوز الاستغفال اللبناني لأوباما ما سبق إلى إقناع الأمريكيين ــــ بحسب حديث الرئيس اللبناني ميشيل سليمان لصحيفة ''الحياة'' ــــ بوجهة النظر القائلة أن حزب الله لا يقبل باقتناء أو استعمال أو تهريب السلاح الكيماوي، وهذا الكلام نسخة كربونية مما يزعمه نظام الملالي في طهران.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي