مأساة التنقل بين الجامعات السعودية

تحدث ابني عن رغبته في دراسة الفصل الصيفي في جامعة الملك خالد. تناقشنا واكتشفت أن الجامعة التي ينتمي إليها قد توافق على ذلك، ولكنه لن يحصل إلا على علامة "مقبول" في المواد التي درسها خارج جامعته حتى إن نجح بامتياز في المادة. ذكَّرني هذا بخبر انتشر قبل عامين، حيث سُمِح لابن مدير إحدى الجامعات بتسجيل 15 ساعة في الفصل الصيفي وحصل على امتياز في جميع المواد، عدا واحدة حصل فيها على جيد جداً، الغريب في الخبر أن الجامعة لا تسمح للطالب العادي بتسجيل أكثر من تسع ساعات، والأغرب أن الابن قضى صيف تلك السنة خارج المملكة. هذه جامعة حكومية يا سادة!
تمتاز جامعاتنا السعودية بدقة أكاديمية شديدة تصل إلى درجة "التعسف الأكاديمي" مع جميع طلابها والملتحقين بها والراغبين في التقدم إليها والمنتقلين من جامعات أخرى، ثم ينكسر هذا التعسف ليتحول إلى عطف ومراوغة حين يتعلق الأمر بأقارب منسوبي الجامعة من رأس الهرم إلى القهوجي. فئة واحدة تنجو من ذلك التعسف الأكاديمي، هم أولئك الذين يحضرون للجامعة والنطاق ويهددون الأساتذة إن لم يحصلوا على درجة الامتياز.
أدعو من لا يصدق هذه الحقيقة الصادمة أن يراجع نسبة الحاصلين على الامتياز في الجامعات وفروعها ليكتشف العجب. أعرف جامعة حصل أقل من 5 في المائة من خريجي فرعها الرئيس على امتياز في تخصص، بينما حصل أكثر من 70 في المائة من خريجي أحد الفروع على امتياز تحت التهديد، برغم أن الفرع كان يقبل الحاصلين على نسب أقل في الثانوية بسبب بعده عن المقر الرئيس.
ميزة أخرى لجامعاتنا هي "الغرور الأكاديمي"، وتفسيره أن كل جامعة تعيش في شرنقتها الخاصة، وترى نفسها أفضل من زميلاتها في الوطن. برغم أن الجميع يتكلمون اللغة نفسها، والطلبة يتخرجون في الثانويات نفسها، ويستطيع الأغلبية أن يعطوك تقييماً قريباً من الدقة لجميع الجامعات.
عندما يضطر طالب للتحويل من إحدى الجامعات المتفوقة أكاديمياً بسبب انتقال أسرته إلى منطقة أخرى - وأغلبهم من أبناء العسكريين الذين تحكمهم طبيعة العمل – إلى جامعة لا تقارن أكاديمياً بمستوى جامعته التي كان مسجلاً فيها. يتم تدقيق الطلب لفترة غير قصيرة ثم تأتي الطامة، وهي أن عليه أن يعيد دراسة مواد اجتازها بسبب أنها لا تصل إلى مستوى البرنامج الذي تقدمه الجامعة الأدنى مستوى. هذا إذا قُبِل الطلب في الأصل.
تقع أسرة الطالب في أزمة، فإما أن يضحي الطالب بسنة أو أكثر من سنوات دراسته أو يعيش وحيداً ليكمل تعليمه في الجامعة التي سجل فيها في الأساس. نعلم الكم الذي يتعرض له طلاب الجامعات من الضغوط الاجتماعية وضغوط الزملاء والمشكلات التي يمكن أن يقع فيها نتيجة العيش بعيداً عن رقابة الأسرة.
هذا في حال الأبناء، أما وضع البنات فهو أسوأ بكثير. الغرور الأكاديمي مسيطر أكثر لدى الفروع النسائية، وستضطر العائلة إما لفصل الطالبة أو تحمل "حسومات" المواد التي اجتازتها مهما كان عددها، وستكون كثيرة بالتأكيد.
كل هذا يحدث تحت سمع ونظر الوزارة التي لا تحرك ساكناً، بل تمنح الجامعات استقلالية تؤثر في المسار الأكاديمي لكل منها. يسأل سائل: ماذا يمكن أن تفعل الوزارة؟ والجواب أنها يمكن أن تفعل الكثير. أول ما يمكن أن تقوم به الوزارة هو عمل تقويم شامل لكل الجامعات وكل التخصصات، وهو إجراء نجده في كل دول العالم. ينتج عن تقويم مثل هذا حالة من التنافس الأكاديمي والبحثي الشريف الذي أخرج لنا جامعات مثل هارفارد وأكسفورد وكيمبردج وكيوتو، وغيرها من الجامعات ذات السمعة المميزة.
يذكر الجميع عندما جاءت جامعاتنا في مراكز متأخرة في التصنيف العالمي، وما إن ظهرت نتائج ذلك التصنيف وأصبحت معروفة للجميع، حتى بدأت الجامعات بتغيير نظرتها الأكاديمية وأسلوب عملها لتحقق مراكز أفضل، حتى قيل إن إحدى الجامعات "زوّرت" معلومات في مجال البحوث للحصول على تصنيف أفضل.
إذا تمكنت الوزارة من تصنيف الجامعات علمياً، فهي تعطي الفرصة للتطوير وتدفع بالمسؤولين للعمل وتكشف الإدارات منخفضة الأداء، وبالتالي يمكن أن يحاسب الطاقم المسؤول عن الجامعة عن إخفاقاته التي يشاهدها ويشهد عليها كل من يطلع على التقويم.
أذكر أن الطلبة السعوديين كانوا الأكثر تنقلاً بين الولايات الأمريكية، بسبب سهولة التحويل، وضمان الاحتفاظ بنسبة كبيرة من الساعات التي أكملها المبتعث. تسمح عملية تقويم الجامعات بتسهيل التنقل بين الجامعات، بمجرد مقارنة المستوى الأكاديمي للبرنامج الذي جاء منه الطالب ومعاملته بناءً عليه، لتصبح عملية الانتقال بين الجامعات عادية كما يحدث في كل دول العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي