Author

الحجة لمصلحة الهند

|
إن مشجعي لعبة الكريكيت الهنود مصابون بالهوس الاكتئابي في التعامل مع فرقهم المفضلة. فهم يرفعون لاعبين إلى مكانة أشبه بمكانة الآلهة عندما يكون أداء فريقهم طيبا، ويتجاهلون نقاط الضعف الواضحة؛ ولكن عندما يخسر فريقهم، كما قد يخسر أي فريق، فإن السقوط يكون حاداً بالقدر نفسه ويتم تشريح كل نقاط الضعف. والواقع أن أداء الفريق لا يكون أبداً على القدر نفسه من الجودة التي يتصورها المشجعون عندما يفوز، ولا على القدر نفسه من السوء الذي يتصورونه عندما يخسر. فنقاط الضعف موجودة في النصر أيضا، ولكن النصر جعل التغاضي عنها أمراً سهلا. ويبدو أن هذا السلوك ثنائي القطبية ينطبق أيضاً على تقييم اقتصاد الهند، حيث ينضم المحللون الأجانب إلى الهنود في التأرجح بين الإفراط في الحماسة وجلد الذات. فقبل بضعة أعوام لم يكن بوسع الهند أن ترتكب أي خطأ. وتحدث المعلقون عن ''تشاينديا''، فرفعوا أداء الهند إلى مستوى أداء جارتها في الشمال، واليوم أصبح كل ما تفعله الهند خطأ. إن الصين تواجه مشكلات خطيرة. فقد تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بشكل كبير في الربع الأخير، فانحدر إلى 4.4 في المائة، وارتفع معدل تضخم أسعار المستهلك، وكان العجز في الحساب الجاري والميزانية في العام الماضي ضخماً للغاية. واليوم يسلط كل معلق الضوء على البنية الأساسية الهزيلة في الهند، والتنظيم المفرط، وقطاع التصنيع صغير الحجم، وقوة العمل التي تفتقر إلى التعليم والمهارات الكافية. وهذه في واقع الأمر أوجه قصور حقيقية، ولا بد من معالجتها إذا كان للهند أن تعود إلى النمو بقوة وثبات. ولكن أوجه القصور نفسه كانت موجودة عندما كانت الهند تحقق نمواً سريعا. ولتقدير ما يجب القيام به في الأمد القريب يتعين علينا أن نفهم الأسباب التي أدت إلى تثبيط قصة النجاح الهندية. إن التباطؤ في الهند يعكس جزئيا، وعلى نحو لا يخلو من المفارقة، الحوافز المالية والنقدية الكبيرة التي ضخها صناع السياسيات، مثلهم كمثل أقرانهم في جميع الأسواق الناشئة الكبرى، في شرايين الاقتصاد في أعقاب أزمة 2008 المالية. وأدت طفرة النمو الناتجة عن ذلك إلى التضخم، خاصة لأن العالم لم ينزلق إلى أزمة كساد عظمى ثانية، كما كنا نخشى في البداية. وبالتالي فقد ظلت السياسة النقدية منذ ذلك الوقت محكمة، مع إسهام أسعار الفائدة المرتفعة في إبطاء الاستثمار والاستهلاك. وأخيرا، تباطؤ نمو الصادرات، ليس في المقام الأول لأن السلع الهندية أصبحت غير قادرة على المنافسة فجأة، بل لأن النمو في أسواق التصدير التقليدية لمنتجات البلاد تباطأ. وكانت النتيجة ارتفاع مستويات العجز الداخلي والخارجي. فبسبب برامج التحفيز المالية في أعقاب الأزمة ارتفع عجز الميزانية الحكومية إلى عنان السماء بعد مستواه الذي كان معقولاً للغاية في الفترة 2007 - 2008. وعلى نحو مماثل، مع توقف مشاريع التعدين الكبيرة، كان لزاماً على الهند أن تلجأ إلى واردات أعلى من الفحم والحديد الخردة، في حين تضاءلت صادراتها من خام الحديد. وفرضت الزيادة في واردات الذهب المزيد من الضغوط على ميزان الحساب الجاري. وبدأ المستهلكون الذين أصابوا الثراء حديثاً في المناطق الريفية يضعون مدخراتهم في هيئة ذهب بشكل متزايد، وهو مخزن القيمة المعتاد، في حين تحول المستهلكون الأثرياء في المناطق الحضرية والمتخوفون من التضخم أيضاً إلى شراء الذهب. ومن عجيب المفارقات هنا أنهم لو اشتروا أسهما في شركة أبل بدلاً من سلعة أساسية ''مهما بلغت من قابلية للاستبدال والتسييل والاستثمار''، فإن مشترياتهم كانت لتعتبر استثماراً أجنبياً وليس واردات تضيف إلى العجز الخارجي. وبالنسبة للقسم الأعظم منه فإن تباطؤ النمو الحالي في الهند والعجز المالي وعجز الحساب الجاري لا يعتبر مشكلات بنيوية. فكلها مشكلات يمكن حلها بالاستعانة بإصلاحات متواضعة. ولا يعني هذا أن الإصلاح الطموح ليس أمراً طيبا، أو أنه ليس قادراً على دعم النمو على مدى العقد المقبل. ولكن الهند لا تحتاج إلى التحول إلى عملاق في مجال التصنيع بين عشية وضحاها، لكي تتمكن من إصلاح مشكلاتها الحالية. لا شك أن القطاع المصرفي شهد زيادة في القروض المعدومة؛ ولكن هذا كثيراً ما كان ناتجاً عن تعطل مشاريع الاستثمار التي ما كان ليمنعها شيء من النجاح لولا ذلك. ومع دخول هذه المشاريع إلى التيار الرئيس فإنها ستعمل على توليد العائد المطلوب لسداد القروض. ومن ناحية أخرى، فإن المصارف الهندية لديها من رأس المال ما يكفي لاستيعاب الخسائر. وبالمثل، فإن الموارد المالية العامة في الهند أقوى من مثيلاتها في أغلب بلدان الأسواق الناشئة، ناهيك عن بلدان الأسواق الناشئة التي ضربتها الأزمة. كان إجمالي نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في الهند في انحدار، من 73.3 في المائة في الفترة 2006 - 2007 إلى 66 في المائة في الفترة 2012 - 2013 ''وكانت نسبة ديون الحكومة المركزية إلى الناتج المحلي الإجمالي 46 في المائة فقط''. وعلاوة على ذلك فإن الدين مقوم بالروبية ومتوسط استحقاقه أكثر من تسع سنوات. وكان الدين الخارجي المستحق على الهند أكثر مواتاة، حيث لا يتجاوز 21.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ''وقسم كبير منه مستحق على القطاع الخاص''، في حين لا يتجاوز الدين الخارجي القصير الأجل 5.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وتبلغ احتياطيات الهند من النقد الأجنبي 278 مليار دولار أمريكي ''نحو 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي''، وهو ما يكفي لتمويل عجز الحساب الجاري بالكامل لعدة سنوات. ورغم هذا فإن الهند تستطيع أن تفعل ما هو أفضل من ذلك. فالمسار إلى اقتصاد أكثر انفتاحاً وتنافسية وكفاءة وإنسانية سيكون وعراً بكل تأكيد في الأعوام المقبلة. ولكن في الأمد القريب، هناك الكثير من الثمار الدانية التي يمكن قطفها. وإذا جردنا ما يقال عن الهند من عبارات النشوة واليأس على حد سواء -ومن كل ما نقوله نحن الهنود عن أنفسنا- فربما يقربنا هذا من الحقيقة.
إنشرها