لمَن راتب المرأة؟
ينخرط كثير من السيدات في سوق العمل للإسهام في التنمية الوطنية ولتحسين مستوى أسرهن، ولإثبات قدرتهن على العمل والإنتاج، وأن يكن منتجات أسوة بالرجال. يكون الدافع لعمل بعض النساء حاجة أسرهن، والبعض الآخر يعملن لتفادي الأحداث المستقبلية مثل إعاقة المعيل أو وفاته أو الطلاق، كما تحتاج بعض النساء إلى العمل والكسب بسبب تخلي المعيل عن التزاماته، وعدم توفيره الحاجات الضرورية للأسرة.
يتخلى بعض الرجال عن تمويل الأسرة، فيترك للزوجة جميع مصروفات المنزل والأولاد، بما فيها أقساط المدارس ورواتب السائق والخادمة، ويتظاهر بالعفة من أن يأخذ من زوجته. ويطمع آخرون في كامل راتب الزوجة مع تكفلهم بالمصروفات أو تقصيرهم، يكون بعض الطامعين في حاجة وآخرون يطمعون لزيادة ممتلكاتهم وثرواتهم دون حفظ لحقوقهن في هذه الممتلكات.
ما يستدعي السؤال: لمن راتب المرأة؟ هل يجب أن يكون راتبها للأب كجزء من رد الجميل؟ أم هو من حق الزوج الذي يتكفل بمصروفات المنزل؟ أم أن راتب المرأة لا يكون إلا لها لبذلها جهداً مضاعفاً في عملها خارج المنزل وداخله، ولما يقع عليها من مسؤوليات التوفيق بين عملها وتربية أبنائها؟
أصبح عمل المرأة من متطلبات الحياة هذه الأيام، حيث إن مصروفات الحياة تفوق قدرة العديد من الأسرة. لذا، يلاحظ حرص كثير من الأسر على عمل كلا الزوجين للتمكن من تغطية المصروفات. بل أصبح عمل المرأة من شروط إتمام الزواج في كثير من الحالات. كما يتمتع بعض الآباء برواتب بناتهم، ما يدفعهم إلى عضل زواجهن خشية فقدان رواتبهن.
يبيّن الشرع أن للمرأة الحق الكامل في راتبها، وأن على الرجل التكفل بمنزله وأسرته. وتبين الآية الكريمة "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" دور الرجل في الإنفاق. من البديهي أن دخول المرأة سوق العمل يضيف أعباء أخرى على تكاليف المنزل، فمن غير المنطقي أن تستأثر المرأة براتبها وتضيف هذه التكاليف للطرف الآخر دون شعور بشيء من المسؤولية.
الزواج شراكة بين شخصين، يتقاسم فيه الطرفان مسؤولياتهما وواجباتهما. فليس من العدل، في حال عمل كلا الزوجين، أن يتحمل أحدهما نفقات الأطفال والمنزل بمفرده، أو يتحمل أحدهما تربية الأبناء والآخر يتحمل مسؤولية المصروفات، حيث يجب المشاركة في جميع أنشطة الأسرة من خلال صيغة منطقية يتفق عليها الطرفان.
قد تسهم المرأة في مساعدة زوجها والمشاركة في تحمل مصروفات المنزل والأسرة برغبة أكيدة منها في حال ضمنت عدم ضياع حقها. فكثير من النساء يخشين المساعدة خوفاً من استغلال أزواجهن، وتوجد كثير من الحالات التي يخشينها مثل الزواج عليها من مالها، أو امتلاك منزل أو الاستثمار في العقار دون أن يكون لها نصيب على الرغم من كونها أحياناً المساهم الأكبر في هذا الاستثمار. قد يسعى بعضهم إلى ترك المرأة عملها سواء بالفصل بسبب التقصير، المسبب من جانب الزوج، أو الاستقالة نيابة عنها قبل الانفصال.
من المستحسن، مع كثرة النساء العاملات، إيجاد صيغة واضحة وعادلة لكل من الرجل والمرأة لتحديد المسؤوليات المالية والاجتماعية داخل البيت لتسهم في ترتيب الحياة المعاصرة للأسرة بهدف استقرارها، وأن تتم مناقشتها قبل الزواج، وأن تكون هناك توعية للآباء بكيفية الإسهام في دعم حياة بناتهم وتوجيههم للتخطيط المستقبلي لرواتبهن وألا يأخذ الأب راتب ابنته حتى يحيله منحة أو هبة لإخوانها وأخواتها أو يورثه لغيرها.