أسعار الفائدة الأمريكية تستمر في الارتفاع

قبل ستة أشهر كتبت أن أسعار الفائدة الطويلة الأجل في الولايات المتحدة سوف ترتفع، وأن هذا سيدفع أسعار السندات نحو الهبوط إلى حد يجعل المستثمر الذي احتفظ بسندات الخزانة ذات العشرة أعوام يخسر من انخفاض قيمة السند أكثر من المكسب الذي كان ليعود عليه من الفارق بين سعر الفائدة على السندات وأسعار الفائدة على صناديق الأموال القصيرة الأجل أو الودائع المصرفية.
وأثبت ذلك التحذير صحته بالفعل. فقد ارتفع سعر الفائدة على سندات الخزانة لعشرة أعوام بنحو نقطة مئوية كاملة منذ شباط (فبراير)، كي يصبح 2.72 في المائة، وهذا يعني ضمناً خسارة تقرب من 10 في المائة من سعر السند.
ولكن ماذا عن المستقبل؟ إن الارتفاع الأخير في أسعار الفائدة الطويلة الأجل مجرد بداية للزيادة التي ستعاقب المستثمرين الذين يبحثون عن عائد إضافي من خلال المراهنة على السندات الطويلة الأجل. ونظراً لمعدل التضخم المتوقع حالياً بنسبة 2 في المائة فإن سعر الفائدة الحقيقي على السندات لعشرة أعوام لا يزال أقل من 1 في المائة. وتشير الخبرة السابقة إلى أن سعر الفائدة الحقيقي سيرتفع إلى 2 في المائة على الأقل، وهو ما من شأنه أن يدفع إجمالي سعر الفائدة الاسمي إلى أكثر من 4 في المائة، حتى لو ظل التضخم المتوقع عند مستوى 2 في المائة فقط.
وتم الإبقاء على سعر الفائدة على السندات الطويلة الأجل عند مستوى منخفض إلى حد غير عادي طيلة السنوات القليلة الماضية بفضل ''السياسة النقدية غير التقليدية'' التي انتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، المتمثلة في شراء كميات هائلة من سندات الخزانة وغيرها من الأصول الطويلة الأجل ــ أو ما يطلق عليه التيسير الكمي ــ والوعد بالإبقاء على أسعار الفائدة القصيرة الأجل منخفضة لفترة طويلة. وكان إعلان رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي في أيار (مايو)، اعتزام البنك البدء قريباً في خفض مشترياته من الأصول والتيسير الكمي في عام 2012، سبباً في دفع أسعار الفائدة الطويلة الأجل إلى الارتفاع على الفور. وعلى الرغم من أن إعلان برنانكي نبه الأسواق إلى الموعد الدقيق المحدد للبدء في هذا ''الخفض التدريجي'' والسرعة التي سيتقدم بها، فإن هذه القرارات لن تؤثر في المستوى المتزايد من أسعار الفائدة بعد عام أو اثنين من الآن.
وكان المقصود من الوعد بالإبقاء على أسعار الفائدة لليلة واحدة منخفضة لفترة ممتدة، إقناع المستثمرين بأنهم قادرون على تحقيق عائدات أعلى عن طريق شراء أوراق مالية طويلة الأجل، وهو ما من شأنه أن يدفع أسعار هذه الأوراق المالية إلى الارتفاع وعائداتها إلى الانخفاض. ولكن النسخة الحالية من هذا الوعد ــ عدم رفع سعر الفائدة على القروض لليلة واحدة إلى أن ينخفض معدل البطالة إلى ما دون 6.5 في المائة ــ لم تعد تعني ضمناً أن أسعار الفائدة القصيرة الأجل ستظل منخفضة لفترة ''ممتدة''.
الآن أصبح معدل البطالة الحالي 7.4 في المائة ــ بعد هبوطه بنحو نقطة مئوية كاملة في الأشهر الـ 12 الماضية ــ وهذا يعني أن الأسواق تستطيع أن تتوقع بلوغ عتبة 6.5 في المائة في عام 2014. وفي الواقع أن احتمال ارتفاع أسعار الفائدة القصيرة الأجل يعني أن المستثمرين لم تعد لهم حاجة إلى الاحتفاظ بسندات طويلة الأجل من أجل تحقيق عائدات أعلى على مدى السنوات العديدة المقبلة.
وبرغم صعوبة توقع مدى ارتفاع أسعار الفائدة الطويلة الأجل في نهاية المطاف، فإن عجز الميزانية الضخم وارتفاع مستويات الدين الوطني، يشيران إلى أن سعر الفائدة الحقيقي سيكون أعلى من 2 في المائة. وقد يؤدي ارتفاع معدل التضخم المتوقع أيضاً إلى ارتفاع سعر الفائدة الاسمي الإجمالي إلى أكثر من 5 في المائة.
قد لا يتذكر المستثمرون اليوم كم ارتفعت أسعار الفائدة في العقود الأخيرة. لقد ارتفعت أسعار الفائدة على سندات الخزانة لعشرة أعوام من نحو 4 في المائة في منتصف ستينيات القرن العشرين إلى 8 في المائة في منتصف السبعينيات ثم إلى 10 في المائة في منتصف الثمانينيات. وفي نهاية السبعينيات فقط بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي تحت قيادة رئيسه الجديد بول فولكر في تشديد السياسة النقدية ودفع معدل التضخم إلى الهبوط. ولكن حتى بعد خفض معدل التضخم في منتصف الثمانينيات، ظلت أسعار الفائدة الطويلة الأجل مرتفعة نسبيا. وفي عام 1985، كان سعر الفائدة على سندات الخزانة لعشرة أعوام 10 في المائة، حتى برغم انخفاض معدل التضخم إلى أقل من 4 في المائة.
والخطر الأعظم الذي يهدد حاملي السندات الآن هو أن يرتفع معدل التضخم مرة أخرى، فيتسبب هذا في دفع أسعار الفائدة على السندات الطويلة الأجل إلى الارتفاع. ويبين التاريخ أن ارتفاع التضخم يتبعه عادة ارتفاع أسعار الفائدة الاسمية. وعلى هذا فقد يكون الاستثمار في سندات مرتبطة بمؤشر التضخم مغريا، فهذا يساعد على ضبط مدفوعات الديون وأقساطها للتعويض عن التأثيرات المترتبة على التغيرات في نمو الأسعار. ولكن الحماية ضد التضخم لا تمنع خسارة القيمة إذا ارتفعت أسعار الفائدة الحقيقية على النحو الذي يؤدي إلى خفض قيمة السندات.
الآن تعمل أسعار الفائدة المنخفضة نسبياً على السندات القصيرة الأجل والطويلة الأجل على دفع مستثمري القطاع الخاص ومديري الصناديق المؤسسية إلى خوض مخاطر متصلة بالمدة وجودة الائتمان، على أمل تحقيق عائدات أعلى. كانت تلك هي استراتيجية المخاطرة نفسها التي سبقت الأزمة المالية في عام 2008. وينبغي للمستثمرين أن يدركوا أن البحث عن العائد قد ينتهي إلى مآل بالغ السوء مرة أخرى.

خاص بـ ''الاقتصادية''
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي