أثر الفاقد الغذائي في الاقتصاد

ربما يلاحظ المراقبون التناقض عند التحدث عن محدودية الأغذية في بعض البلدان ووجود ما يقارب مليار شخص جائع حول العالم، في حين أن أكثر البلدان الغنية تصرف 3 إلى 4 أضعاف كمية الطعام التي هي في حاجة إليها بسبب الاستخدام الخاطئ. ويتوافر في الولايات المتحدة على سبيل المثال ضعفا الغذاء المطلوب لإطعام الشعب الأمريكي على رفوف المحال وفي المطاعم. وفي بريطانيا يقدر ما تخلص منه أصحاب المنازل من خبز ومنتجات الحبوب الأخرى بإمكانيته إعاشة 30 مليون جائع في العالم. كما أفاد تريسترام ستيورت الناشط البريطاني المعروف الحائز على جائزة صوفي العالمية للبيئة عام 2011 لإنجازه في الإسهام في حل المشكلة العالمية للفاقد من الطعام.
تختلف أشكال التخلص من الطعام، فمن أبرزها فائض طعام الاحتفالات والولائم في المجتمعات الخليجية. وربما يتساءل البعض عما يحدث للفائض من الأطعمة في محال بيع الأغذية، أو مطاعم الوجبات السريعة التي تعمل على تجهيز كميات كبيرة من الطعام الذي لا يمكن إعادة حفظه. حتى المَزارع، تعمل سنويا على التخلص مما قد يصل من 20 إلى 40 في المائة من محصولها الزراعي من الفواكه والخضار كالموز والبرتقال والطماطم والورقيات والعديد غيرها بسبب عدم توافق شكلها أو حجمها مع شروط محال بيع الغذاء.
تعمل عديد من الجهات للحد من فائض الطعام، فقد عمل الباحثون في برنامج تقنية البيئة في المركز الوطني لبحوث الموارد الطبيعية والبيئة التابع لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الذي يسعى إلى إيجاد الحلول الناجحة للحد من التلوث في عدة مجالات بما فيها الغذاء، على تطوير نوع من أعلاف الدواجن والأسماك يتم إنتاجها من فائض الطعام، حيث يتم جمع مخلفات المطاعم ثم تجفيفها ومعالجتها، وقد أفادت المدينة أن مطاعم الرياض تتخلص مما يزيد على 200 طن من بقايا الأطعمة يومياً. كما بدأت شبكات تجميع الغذاء في عديد من مدن بريطانيا بالتعاون مع المزارعين والمتطوعين والجمعيات الخيرية في العمل على إعادة توزيع الغذاء الصحي الذي لا يتم استخدامه، وغالبا ما يضطر المزارعون إلى رميه. وتعمل عديد من المؤسسات الخيرية في المملكة مشكورة بعرض خدماتها لجمع وتوزيع هذا الطعام.
مع ذلك، يبدو من الضروري البدء في حملات توعوية في البلدان النامية انطلاقا من قولة تعالى في سورة الأعراف ''وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ''، ويبدو أن الأمر في بعض المجتمعات هو ثقافة اجتماعية وسلوك لا يمكن تغييره بسهولة، لذا يفضل العمل على تحسين ثقافة استهلاك الطعام وتغيير العادات الغذائية السيئة، والتوعية بالضرر الناتج والمتعدي من رمي الأغذية، فعلى سبيل المثال المياه المستخدمة لسقي الغذاء المهدر عالميا تصل إلى معدل 200 لتر للشخص يوميا وهي كمية كبيرة جدا مهدرة من الماء تكفي لتغطية الحاجات المنزلية لما يزيد على ثمانية مليارات شخص. كما أن العمل على سن قوانين صارمة تحد من التبذير بشكل عام اتباعا لبعض الدول مثل كوريا التي تفرض غرامة على أصحاب المنازل التي يزيد وزن مخلفاتهم على الحد المخصص.
يتعدى ضرر فائض الطعام لعدة قطاعات منها التجارية والاقتصادية والاجتماعية والصحية كما تؤثر في الطاقة والبيئة وغيرهما. لذا، من المهم العمل على تحقيق الاستخدام الأمثل للمواد الغذائية الزراعية. ومن الضروري التأكيد على أهمية ثقافة الاستهلاك من خلال ضبط سلوك المستهلكين، ومن المهم أيضا زيادة الوعي بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المتصلة بالخسارة الغذائية. أتمنى النظر في مشروع وطني للحد من الاستهلاك الزائد والاستفادة من الفائض أسوة بحملة ''فكر، كل، أنقذ'' التي تنادي به عدة منظمات على رأسها برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي