نتعلّم ما تعلّموه منا

يبدو أننا في حاجة للتعلم من الأنظمة الغربية كيف نكظم غيظنا، ونعفو عمن ظلمنا، ونبتعد عن إلصاق التهم بالناس دون دليل معتبر. أول قرار وقّعه الرئيس الأمريكي جيرالد فورد بعدما تسلّم الرئاسة إثر استقالة الرئيس ريتشارد نيكسون كان وثيقة العفو عن الرئيس السابق في جميع التهم الموجهة إليه أثناء رئاسته للدولة. أصبح هذا تقليداً لدى كل الرؤساء الذين جاءوا بعده. السبب هو أن الرئيس تحت طائلة الرقابة المالية والقانونية والإدارية من مؤسسات عديدة. سبب آخر هو أن هناك من القرارات ما يتخذ بناء على توصيات مستشارين متخصصين، ودون علم كامل من الرئيس شخصياً بنتائج تلك القرارات، أو توجه آخرين نحو تحقيق أهداف شخصية على حساب الرئيس.
هذا النهج إسلامي أسسه الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ عندما عفا عمن ظلمه وحاربه وقتل صحابته وحاصره وقطع عنه الغذاء والماء، بل ووعد من يأتي برأسه بـ 100 ناقة عند هجرته من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة. قال ـــ صلى الله عليه وسلم ــــ مقولة أخيه النبي يوسف عليه السلام لمن حاول قتله ''لا تثريب عليكم، اذهبوا فأنتم الطلقاء''. فهي سنة ترضي المولى جلت قدرته، وعليها سار رسل وأنبياء الله.
إنه لمن الشذوذ المسيء للفروسية والرجولة أن نكيل لشخص التهم وهو في أضعف أحواله. أن نرميه في السجن بعد أن حكم البلاد أكثر من 30 عاماً ونحن نمدحه ونبجله، فلما سقط لم تبق سكين إلا وقطعته. ولم تبق قناة إلا وألفت القصص وصورت الأفلام التي تؤكد جبروت الرجل وقسوته، وهي كانت تنعته بالرحمة والرأفة.
انتقدت ما فعله الإخوان عندما تسلّموا الحكم بوضعهم الرئيس السابق حسني مبارك في السجن. انتقدت التصرف لأنه ليس من علامات الفروسية، ولأنه اعتمد على تهم طبخت على عجل، ولأنه من المحتم أن يوجد روح الكراهية والانتقام والحقد البغيض في الدولة. التشفي الذي طال كل الناس ولم يسلم منه أحد، وكما توقعت فقد أصبح الانتقام هو السائد في مصر بعد الثورة.
سجن حسني وأبناه وأخلي سبيل زوجته بعدما افتدت نفسها بكل ما تملك. سجن وزراء حسني وجمعت لهم التهم بشكل فريد، في الواقع لم يسلم أحد من تلك اليد التي امتدت لتنشر الكراهية بين النظامين الجديد والقديم. أصبح الانتقام هو سمة المرحلة، فبعد أن رسخ مرسي قدميه في الرئاسة بدأ بمن وضعوه على الكرسي فأقال المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري الذي أدار المرحلة الانتقالية، وضمن انتخابات حرة ونزيهة أوصلت مرسي للكرسي. ثم أتبعه برئيس الأركان سامي عنان وهما أهم عنصرين في تلك الفترة، ولم يتجرأ أحد على أن يقول فيهما كلمة سوء بل منحا أعلى وسامين في الدولة.
استمر نهج الانتقام والتشفي عندما قرر السيسي الذي عينه مرسي وزيراً للدفاع أن مرسي غير صالح لإدارة البلاد، فأخرجه من القصر إلى السجن. هذا دليل على أن عقوبة الخيانة تأتي عاجلة، فيا لها من عبرة يجب أن يضعها كل من يتولى مصائر الناس ويستخدم معهم هذا الأسلوب البعيد عن الشهامة والرجولة نصب عينيه. عندما طالبت بالإفراج عن حسني مبارك، رد علي الكثيرون بأن هذا ليس من حقي. فلابد أن يحاكم الرئيس على كل ما حدث في مصر. حتى قرارات الضباط الذين تصرفوا من ذات أنفسهم جيرت إلى الرئيس ليحاكم عليها. لم يشفع لحسني أنه كان القائد الأعلى للقوات المسلحة وأنه لم يأمر بتحريك مدرعة واحدة ضد المتظاهرين. كما لم يشفع له أن تلك الثورة حصلت على ما أرادت بعد 18 يوماً فقط. لم يشفع له أنه استقال من منصبه طواعية وسلّم الحكم للمجلس العسكري.
يأتي اليوم الذي يخرج فيه الرئيس حسني مبارك من السجن مبرأ من كل تلك التهم التي سيقت له سوق الهدي إلى المذابح، ويا ليت شعري لو أن النظام الجديد بدأ حكمه بالصفح والعفو عن شخصية تاريخية مثل حسني مبارك. أتصور أن ذلك قد يغير مجرى التاريخ المصري الحديث، لكنه لم يحدث.
أناس كانوا في القصور أصبحوا في السجون، وآخرون خرجوا أبرياء ليشموا هواء الحرية التي حرموا منها بهتاناً. قد يكون من الملائم أن أدعو إلى التخلص من مبدأ التشفي والكراهية والانتقام، بدءاً من إلغاء قرار رئيس الوزراء بوضع الرئيس حسني مبارك قيد الإقامة الجبرية. لا مانع من منعه من السفر إذا كانت لا تزال عليه قضايا حقيقية أخرى، أما إذا لم يكن الأمر كذلك فلنعط الرئيس حقه المستحق من الإكرام والاحترام بعد هذه السنين الطويلة من الخدمة العامة وحتى لا يقال إن العرب شعوب حاقدة ''تقتل رؤساءها''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي