هل الشهيد في قلوبنا حقاً؟

زرت الكثير من دول العالم، حيث تجد مقابر مخصصة لمن يقضون في الحروب. تضع دول كثيرة العناية ''بالشهداء وأسرهم'' في أول اهتماماتها. شاهدت منازل لأسر الشهداء في أرقى أحياء العواصم. قرأت عن مزايا خاصة تقدمها الدول لأبناء وأسر الشهداء، وهو أمر منتشر ومعروف على مستوى العالم.
أن يقدم مواطن روحه، فهو يضحي بكل شيء من أجل الوطن. وقد امتدح ديننا الحنيف تلك التضحية، بل اعتبرها أعلى درجات الدين، فقد ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: ''رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد''، ومن الثابت أن المسلم حين يخرج بنفسه وماله في سبيل الله، ولا يعود من ذلك بشيء فهو حقق أعلى درجات الإيمان بالله. يحمل تراثنا الإسلامي شواهد عظيمة من التضحية والفداء التي خاضها أبناء هذه الجزيرة في خدمة الإسلام ونشره في كل بقاع الأرض.
ليس هناك من يشك في أن هذه الدولة بنيت على الإسلام، بل إنها أكبر معاقل الإسلام في العصر الحديث. لهذا لا يمكن أن يشك أي منا في أن الجهاد في سبيل حماية الدولة وبقائها، هو قتال في سبيل دوام الإسلام ودعم قوته. أدركت قيادة المملكة أهمية الفداء من أجل الوطن، وحقوق الشهداء عليها. ولذلك صدرت توجيهات كثيرة تدعو إلى ضمان الحياة الكريمة لأبناء وأسر الشهداء الذين يسقطون في ميادين الجهاد.
ضمنت الأوامر والأنظمة الصادرة أن يكون أبناء وزوجات وآباء وأمهات الشهداء في حال أفضل – مادياً - من حالهم عندما كان ''الشهيد'' بين ظهرانيهم. إن العمل على توفير الحياة الكريمة لمن فقدوا ابنهم أو عائلهم في سبيل الوطن هو أهم وسيلة للتعبير عن امتنان كل الوطن للشهيد. هو وسيلة لضمان أن يقاتل المقاتل في سبيل الله وهو مرتاح لأن هناك من يرعى أسرته ويضمن لها الحياة الكريمة. إن وجود هذه القناعات مع إيمان الجندي بدوره في المعركة وأهمية تضحيته وإقدامه في ضمان حاضر الدولة ومستقبلها، تجعله يقدم روحه في سبيل حماية هذا الوطن، ولدينا شواهد كثيرة.
تعمل الجهات التدريبية دوراً كبيراً في تأهيل المقاتلين لحماية الوطن. يستمر التدريب والتمارين في قواتنا المسلحة لضمان إعطاء مقاتلينا الفرصة الأمثل للقتال وتحقيق النصر في أرض المعركة. تستثمر الدولة مبالغ طائلة لتوفير أفضل المعدات والعتاد العسكري لإعطاء الوحدات العسكرية القدرة القتالية التي تضمن لهم التفوق على العدو في الميدان.
يبقى ضمان المعنوية المرتفعة والراحة النفسية للدور الذي يقوم به المقاتل في ضمان أمن وحماية وطنه من كل المخاطر التي تواجهه. تأتي تلك الجزئية من الإيمان الراسخ بالوطن والحب الذي يغرس في قلوب أبنائه المقاتلين، وهو أمر يمر بالكثير من المراحل. وتظل أهمية أن يرتاح المقاتل لأن ما يقوم به سيذكر بالخير. وأنه عندما يستشهد في مواقع الدفاع عن الوطن، فسيكون هناك من يعتني بأسرته ويحميها من الحاجة.
هذه المفاهيم الأساسية التي لا بد أن يؤمن بها كل مسؤول في الدولة، تقع في لب اهتمام الجهات العسكرية. حيث تنهى كل إجراءات الشهداء وتسهل تقديم العون لهم، ويقدم المسؤولون لأهلهم كل الدعم والعناية. بل إن الكثير من أبناء الشهداء حصلوا على ضمانات بأن تكون لهم أولوية التعيين والقبول حيثما شاءوا. وهو أمر لا بد أن نرفع له العقال، ومهما نقدم للشهيد فنحن لا نفيه حقه الذي اكتسبه بتقديم روحه لوطنه.
يبقى تأثير البيروقراطية والتعقيد والعقليات المنغلقة التي لا تستوعب أهمية العناية بالشهيد في نشر روح التضحية لدى زملائه ومن يعرفونه. العقليات التي تعتبر معاملات الشهداء مجرد روتين يمكن إنهاؤه عندما نفرغ من غيره. أستغرب كيف يكون هناك أي مسؤول لديه ولاء للوطن، ويسوِّف بل يُقاضي أسر الشهداء.
يمكن أن يحدث هذا في أي مكان، أما عندنا بعد كل ما نشاهده من دعم القيادة لمن يضحون في سبيل الوطن. فقد يكون الأمر مثيراً للريبة. عندما تقرر أمانة العاصمة المقدسة أن تطبق أمر منحة لشهيد على جبل يحتاج تمهيده إلى ما يقارب المليون ريال، ثم ترفض تبديلها، بل تضطر أسرة الشهيد للجوء إلى القضاء لأخذ حقه. فتلك قضية لا بد أن ينظر لها بالشك والريبة.
الأدهى من ذلك ألا يقرر ديوان المظالم أن الأمانة على باطل من أول جلسة. يدل كل هذا على أن هناك مشكلة حقيقية في تعريف الأولويات، وقناعة المسؤول بها. بل يستدعي أن يمر كل من يتخذون مثل هذه القرارات على دورات الأمن الوطني التي تجعلهم أكثر استيعاباً للأثر الأمني للقرارات التي يظنونها جزءاً من العمل اليومي، لا أكثر. أرجو أن يستيقظ هؤلاء ويفهموا خطر ما يفعلون على معنويات القوات المسلحة التي تدافع عن الوطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي