شروط غير مبررة في الجامعات السعودية
يحن كثير منا لمقاعد الدراسة ولذكريات المدرسة ومغامراتها وعلى التصرفات الطفولية وحركات المراهقين التي أرهقت المعلمين، كما يعتقد بعض الناس أن حزم معلمين وتراخي آخرين في التعامل معهم لم يكن ليؤثر في تصرفاتهم في ذلك الوقت، التي كانت تدفعها أعمارهم الصغيرة وحياتهم شبه الخالية من المسؤوليات.
ربما يتمنى البعض لو أنهم كانوا أكثر انضباطا والتزاما، ويرى غيرهم أن تلك التصرفات الصبيانية بقيت للذكريات وقد استمتعوا بها وانتهى وقتها، وأنه حان الوقت ليصبحوا هم المراقبون والضابطون لتصرفات غيرهم من موظفين أو طلبة، وآخرون يتمنون لو عاد بهم الزمان لتلك الأيام للاستفادة بأكبر قدر ممكن مما كان يقدم لهم من معارف.
يوجد بين هؤلاء من اتخذ قرار إكمال دراسته وتحسين مستواه العلمي حتى بعد تقدم أعمارهم. فنلاحظ تزايد طلبة التعليم العالي من كبار السن في جميع أنحاء العالم. فقد أفاد المركز الوطني لإحصاءات التعليم في أمريكا أن ما يقارب أربعة ملايين شخص وبزيادة 20 في المائة من عام 2006م من المسجلين في الجامعات أعمارهم 35 سنة فأكثر. كما وقد عملت كلية بيربك في جامعة لندن على تشجيع كبار السن للالتحاق بها العام الماضي، وتقدم لها ما يقارب 500 طالب فوق عمر 60 سنة لإكمال دراساتهم العليا، وكان الدافع الأساس للدراسة بالنسبة لـ 75 في المائة منهم تنمية وتطوير الشخصية، وراوحت أسباب الباقين بين التطوير المهني وإلحاق ما فاتهم من معارف أثناء توقفهم عن الدراسة. ربما سمع البعض عن أكبر الخريجين سنا في العام الماضي وقد تخرج أحدهم في جامعة ساوثرن كروس وتخرج الآخر في جامعة باكينجهام وأعمارهم تصل إلى 91 سنة، كما لوحظ بداية العام الحالي في الجامعة السعودية الإلكترونية التحاق عدد كبير من الطلبة الراغبين في إكمال دراستهم العليا مع استمرارهم في وظائفهم وتقدمهم في الأعمار حتى إن أحد طلبتها يبلغ عمره 52 سنة. علما أن متوسط أعمار طلاب الجامعة البريطانية المفتوحة، التي يصل عدد طلبتها إلى ٢٤٠ ألف طالب وطالبة، يتجاوز ٣١ سنة. كما يطلب، على سبيل المثال، برنامج التعليم الإلكتروني المشهور في جامعة فينيكس الأمريكية أن يكون الملتحق بالدراسة ملتزما بالعمل، لاعتقادهم أن الفئات العاملة من الطلاب أكثر جدية في التعلم من غيرهم.
يظن بعض التربويين أن كبار السن أو المنقطعين عن الدراسة لفترة طويلة لم يعد باستطاعتهم التركيز تبعا للمثل السائد ''العلم في الصغر كالنقش على الحجر'' أو المثل الذي يقلل من استفادة كبار السن ''بعد ما شاب ودّوه الكتاب''. من الممارسات التي زادت أعمار الخريجين من الجماعات هو عناية بعض الجامعات مثل الجامعات التطبيقية في ألمانيا والجامعات البريطانية، التي تعود أصولها لكليات متعددة التقنية، تقديمهم لبرامج الشطائر (أو السندويشات) وهي البرامج التي يتخللها فترات من التدريب، تصل هذه الفترات لفصل دراسي أو تدريب صيفي وربما تجاوزت عدة سنوات. ومن البديهي أن هذه البرامج زادت من تباين أعمار الطلاب على مقاعد الدراسة.
ويُستغرب أن أغلبية الجامعات السعودية لا تنظر في طلبات المتقدمين من الذين مر على حصولهم على شهادة الثانوية العامة خمس سنوات، بغض النظر عن خبراتهم أو الدورات التأهيلية التي مروا بها. كما تمنع جامعات أخرى ابتعاث حملة الماجستير بعد بلوغ المحاضر 35 عاما. وكأن الشهادة العلمية أشبه بالمنتجات الغذائية، وتنتهي صلاحيها بعد مرور عدة سنوات ولا تتأثر بخبرة الشخص وتجاربه التي صقلتها هذه السنوات.