مترو الرياض بين الصور والواقع

تعتبر القطارات ظاهرة حضارية تحرص كل مدن العالم على ربطها بهوية المنطقة. كما تدعم كل المدن تطويرها، واستخدام أحدث تقنيات الشكل والمحتوى لهذا المكون الأهم في وسائل التنقل داخل المدن. هذا الاهتمام هو نتيجة تنافس شديد في تقديم الخدمات للسكان والزوار. فاستخدام شبكات النقل العام التي تعتمد على القطارات، ومدى قدرتها على خدمة أكبر مساحة من المدينة، هو أحد وسائل تقييم المستوى الحضاري للمدينة وقدرتها على جذب المزيد من السكان والسياح.
شبكات القطارات في مدن مثل نيويورك ولندن وباريس وطوكيو وسيئول وغيرها تحظى بالنصيب الأكبر من ميزانيات المدينة. تغلب على هذه الخدمات التكلفة العالية ولكنها ليس بالمشكلة، إذ إن الغالبية من هذه المدن تستطيع أن تنفق على قطاراتها من خلال وسائل عديدة أهمها ضمان استخدام أكبر عدد من السكان لهذه الوسيلة، والإعلانات التي تنتشر في محطاتها، وتحويل هذه المحطات إلى أماكن ملائمة للتسوق والراحة.
تحولت محطات كثيرة إلى ما يشبه السوق الكبيرة التي يقضي فيها الناس وقتا غير قصير. الوقت الذي يقضيه الناس داخل المحطة يرتبط بخطوط القطارات وعدد المناطق التي تخدمها، إضافة لارتباط المحطات ببرامج القطارات العابرة للمدن. محطة ''قراند سنترال'' في نيويورك مثلاً تجذب 750 ألف شخص كل يوم، يركب القطارات منهم 250 ألفا، بينما يتواجد 500 ألف للفرجة والتسوق والتمتع بما تقدمه المحطة من خدمات.
الرياض هي موطن أول مترو في المملكة. وكما يقول المثل ''أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً''. جاءت الشبكة الجديدة تفاعلاً مع معاناة يواجهها سكان المدينة لم تعد تحتمل. على أن الكثير من المدن تبنت مفهوم القطارات منذ وقت مبكر. فهي اليوم وسيلة المواصلات الرئيسة في أغلب دول العالم. تنتشر أكثر من 200 شبكة مترو في مدن مختلفة في العالم. أقدمها شبكة مترو لندن التي افتتحت قبل 150 عاما، و هي اليوم من أفضل شبكات المترو في المظهر والخدمات.
يسمح هذا التعدد و التنافس العالمي لمشروع مثل مشروع مترو الملك عبد العزيز الفرصة للاستفادة من هذا الكم الكبير من الشبكات، سواء في مجال التصميم أو الإدارة أو الاستثمار الجيد للمحطات و توزيعها ومكوناتها. هذه الجوانب تساهم في جذب الناس لاستخدام هذه الوسيلة المهمة. يستفيد من خدمات المترو اليوم جميع فئات المجتمع. هذا في حد ذاته يعتبر تحدياً للمصممين ومدير الشبكة في المستقبل.
مترو دبي، رغم جماله وتصميمه الرائع ومحطاته الجذابة، يجذب ــــ غالباً ــــ فئات الأجانب في المدينة، قد يكون السبب هو النسبة العالية من الأجانب، لكنك تشاهد أعداداً أقل من السكان في المترو عما تراه في أي مدينة أخرى. العيب في هذا المظهر هو أن المترو قد يتحول مع الوقت إلى وسيلة لا يستخدمها سوى الأقل حاجة، بما يؤدي إلى تراخي التنافس والحرص على الخدمة. هذا ما دفع إمارة دبي إلى تشجيع الموظفين في القطاع الحكومي على استخدام المترو، بل وتحديد يوم كل سنة يمنع فيه الحضور إلا بواسطة المترو.
كتبت هذا المقال بعد أن انتشر في مواقع التواصل مقطع فيديو يتحدث عن خبر ظهر في التلفزيون السعودي عام 1409 أي قبل 25 سنة عن التفكير بإنشاء خط قطار يربط بين الدمام وجدة مروراً بالرياض. قبل 25 سنة وفي وسيلة إعلام رسمية. الحديث اليوم عن تنفيذ مشروع الرياض في خمس سنوات، هو من الأمور التي لم يرتح لها الكثير من المتابعين. خمس سنوات مدة طويلة لتنفيذ المشروع، ولكن الأمل أن تفتتح أجزاء من المشروع قبل هذا التاريخ، و يكون الافتتاح لآخر محطة في ذلك التاريخ، هل تصدق المعلومات؟ الخبرة السابقة في مشاريع من هذا النوع تقول إنها لن تصدق. لكن الأمل في الله ثم في قيادة العاصمة الشابة ذات الخلفية العسكرية ــــ التي يميزها الانضباط ــــ كبير.
انتشرت أيضاً في تويتر ــــ بالذات ــــ صورة لقطار المشاعر عندما كان يروج له كمشروع، و ما آل إليه من عربات قطار من العصر العثماني. كانت الصورة قبل التنفيذ تظهر قطاراً حديثاً من نوع الرصاصة. وبتصميم انسيابي وشكل رائع. هذا كله اختلف كلياً، وهو ما يجلب القلق على مترو الرياض الذي سيكون أحدث مترو في العالم حسب الفيلم الذي عرض في وسائل الإعلام.
على أن الحديث عن المشروع لم يتطرق إلى إدارة الشبكة ومسؤوليتها، وهي من أهم النقاط التي يجب أن تأخذ حيزاً مهماً من النقاش والدراسة أثناء تنفيذ المشروع، وتستدعي أن تعمل الشركة المسؤولة عن تسيير المترو بالتوازي مع منفذي المشروع، وأن تؤهل موظفيها قبل وقت الافتتاح بفترة كافية. ويمكن أن يطبق الموظفون ما تعلموه في شبكات مترو عالمية قبل أن يتسلّموا عملية إدارة الشبكة في الرياض. كما يمكن أن يستفاد من شركات إدارة الشبكات في المدن الناجحة التي تستخدم فيها القطارات بكثافة، مع تمنياتي للعاملين في المشروع بالتوفيق والإنجاز المثالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي