معايير لتصنيف القنوات الفضائية
كانت القنوات الفضائية في بداياتها حكراً على القطاع الحكومي في معظم الدول، بما في ذلك الدول العربية، وكانت كل قناة تعبّر عن سياسة وتوجهات الدولة القائمة عليها. وعندما دخل القطاع الخاص بدأت توجهات القنوات ومحتوياتها بالتغيُّر، حيث تزايدت أعداد القنوات بشكل كبير، وكل قناة منها تحاول جذب المشاهدين بالتركيز على مجال معين، فنشاهد القنوات الإخبارية والرياضية والفنية والاقتصادية والدينية والثقافية والاجتماعية وحتى الأزياء والطبخ وغيرها.
أصبح كثيرٌ منا يستمر في التقليب بين القنوات رغبة في مشاهدة برامج نافعة وقلما يصل إلى ذلك. أصبحنا نلاحظ أن كثيراً من مذيعي البرامج يتنقلون بين عديد من الموضوعات بشكل سريع وسطحي لشد انتباه أكبر قدر ممكن من الأذواق، على أمل أن يكون المشاهد قد ملَّ التنقل بين القنوات؛ ليستقر على برنامجهم حين سماعه خبراً قد يثير اهتمامه.
كثير من القنوات لا يبحث إلا عن الربح أو العمل على الحد من الخسارة، فيعمد إلى الترشيد المبالغ فيه في إعداد البرامج، حتى إن بعض القنوات الفضائية يركز على شخصية واحدة تتناوب بين البرامج المباشرة والإعادات وربما اللقاءات القديمة.
كما لا يبث كثير من القنوات الفضائية إلا ما يتوافق مع مصالحها وسياسة مموليها؛ ما يجعل المشاهد الباحث عن الحقيقة أو وجهات النظر المختلفة أحياناً كالباحث عن إبرة في بحر، حيث أصبحت لكل حزب سياسي قناة فضائية لا تعبّر إلا عن جانبها من القصة، ومن البديهي أن لكل قصة وجهَيْن، لكن المحزن في هذا الأمر أن بعض القنوات الفضائية أصبحت لا تحترم الرأي العام ولا تعتمد أيَّ منطق ولا حقائق ولا وقائع موثقة ظناً منها أن المشاهد لا يرى غير برامجها ولا يصدّق إلا روايتها.
تتنافس القنوات في عرض الموضوعات غير الشائعة وبسقف حرية مرتفع لجذب أكبر عدد من المشاهدين؛ ما جعل بعض القنوات تبالغ في التطاول وتجاوز حدود اللياقة والتشهير تحت اسم وجهة النظر السياسية. تطرح هذه القنوات في برامجها قضايا وتدّعي معالجاتها، وتعمل على مناقشة أمور نادرة أو شاذة في المجتمعات وتتعامل معها على أنها من الظواهر المجتمعية بشكل قد يجذب البعض لها مما يزيد الأمر سوءاًً في زمن أصبح الإعلام من أكبر المؤثرين في كثير من فئات المجتمع.
كثير من القنوات، بما فيها القنوات الرسمية، كانت تبرز الصورة المشرقة للمجتمع بشكل قد يكون مبالغاً فيه، ونلاحظ أن الأمر قد انقلب وانتقل من الإشادة المبالغ فيها إلى النقد الذي قد يصل إلى التجني. إضافة إلى ذلك، تحوّلت المسابقات والفوازير الرمضانية التي تحتاج إلى التفكير والبحث والتدبر، إلى برامج ذات أسئلة ساذجة وسخيفة لا يضيف أغلبها شيئاً إلى الثقافة العامة.
ربما سيؤدي استمرار القنوات في الزيادة إلى اضمحلال أدوار كثير منها وانحسار جدواها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي اختفاء بعضها. كم كنت أتمنى وجود معايير ومؤشرات قابلة للقياس تساعد على تصنيف القنوات أسوةً بالتوزيع في الصحف، والبحث في الجامعات، والجودة في المؤسسات الصحية، وعدد النجوم في الفنادق. ولعله من المناسب أيضاً التفكير في جهة مهنية لحماية المشاهدين، كما هو الحال لحماية المستهلك من السلع التجارية.