«تويتر» يكافح الفساد

انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي صورة أحد أفراد الجوازات وهو يتعامل مع المسافرين بشكل يسيء للمملكة بكليتها. جلس الرجل بشكل مستفز وهو يستعرض جواز سفر، وفي الانتظار وقفت سيدتان ليمنحهما شرف إنهاء إجراءاتهما وهو واجب سيحاسبه على عدم أدائه رب العالمين. هذا في الآخرة، ولكن ماذا عن الحياة الدنيا؟
اشتهر عن بعض موظفينا سوء الأداء والفساد المسيء للقطاع والدولة ككل في مختلف مواقع العمل. الحضور المتأخر، واستغلال وقت العمل لإنجاز أعمال لا علاقة لها بالوظيفة العامة التي ينتمون إليها. إهمال معاملات الناس، وتأخير حقوقهم وتفضيل أصحاب العلاقات الشخصية على غيرهم، أصبحت -مع الأسف - العرف السائد. يقول لي أحدهم: لا أفهم كيف يبقى موظف على مكتبه لساعة كاملة دون أن يمر على فلان أو يسولف مع علان أو يراجع معاملة فلنتان. عزا الرجل ارتفاع وزن الموظفين إلى ذلك الالتزام بالعمل، فيا له من تحول في المفاهيم!
نقل كاتب في إحدى الصحف عن موقع ''سكاي تراكس'' معلومات يجب أن تراجعها جميع الجهات العاملة في المطارات، التي هي مرآة للوطن، وتعكس ما يحدث في مواقع أخرى داخل المملكة. ذُكِر في الموقع أن جمارك مطار الملك خالد الدولي ''بطيئة، يتحدث الموظفون 2 إلى 3 دقائق مقابل كل 30 ثانية عمل، وأعطاه نجمتين من خمس نجوم، لكنه أوصى بعدم استخدامه مرة أخرى''. لاحظوا أن هذا الحديث عن الجمارك وهي حسب خبرتي الشخصية أفضل بكثير من جهات أخرى داخل المطار.
ذكر الكاتب في المقال تعليق أحد المسافرين الذي يفضل السفر من الرياض إلى المنامة ليسافر من هناك بسبب فوضوية مطار الرياض، قال المسافر: ''عملية السفر من هذا المطار تعتبر كارثة''، مضيفاً أن المواطنين بإمكانهم أن يتجاوزوا الصفوف ويقفوا مباشرة أمام ''الكاونتر''، أما عملية الوصول، فقد وصفها بأنها كابوس. يستغرب الكثيرون من حالة مطار الملك فهد في الدمام الذي يشبه مدينة الأشباح، فليقرأوا تعليقات الركاب.
إن حالات عدم الانضباط وعدم احترام المراجعين، وإغفال النظام والعدل في كل مكان، أصبحت سمة لازمة لكثير من الجهات التي تخدم المواطن سواء كانت عامة أو شبه عامة.
يستدعي هذا أن نعود ونراجع وسائل ضبط ومعاقبة المتسبّبين في هذه الفوضى التي تسيء إلى الدولة عندما تصبح في مواقع، مثل منافذ الخروج البرية والبحرية والجوية. وبإمكان أي واحد سافر من أي منفذ أن يقدم أمثلة كثيرة على الفرق بين موظفينا وموظفي دولة أخرى لا تبعد مكاتبهم أكثر من 50 متراً منهم.
حالة الفساد الإداري منتشرة، وقد طالبت كثيراً بالبدء بمحاربة الفساد الإداري فهو منبع كل الفساد. تبدأ الحرب ضد الفساد الإداري من المفاضلة والاختيار والتوظيف والترقيات والتكليف والتعيين. أغلب الجهات لا تعتمد مبادئ العدالة في هذه الإجراءات، وهو ما يؤدي إلى تعميق الفساد، إذ يُوظَّف أصحاب الحظوة، ويُرقى ذوو الواسطة والعلاقات، ومن ثم يُكلَّف هؤلاء بناءً على كفاءتهم في خانة القرابة والصداقة والفوائد المشتركة. لتنمو لدينا بيئة فاسدة وتتجذر من الأصل وهو المفاضلة بين المتقدمين.
نعود إلى الفساد الذي نكتشفه في الموظفين الذين نتعامل معهم يومياً. وقد تعمل بعض القطاعات على وضع الأفضل في المقدمة لإعطاء انطباع حسن عمّا يدور خلف الأبواب، وتلك لعمري مصيبة كبرى، فإذا كان هؤلاء هم الأفضل فما حال السيئين؟
على أن الكثير من القطاعات تقنن الفساد بوسائل غير نظامية ومن ضمنها توزيع منح الإعفاء من الدوام على مدار الأسبوع. لن تستطيع أن تجد موظفاً في عمله طيلة ساعات الدوام وعلى مدار الأسبوع، فإن فعلت فهذا الموظف يعد في العرف العام مظلوماً، أو مهضوم الحقوق، أو متعلقاً مرضياً بالعمل، أو ''مخفَّة''.
يستفز منظر آخر كل مَن يشاهده، وخصوصاً عندما يصدر من عسكري في مهمة أو يقف في حراسة موقع أو يدير أعمالاً تخص الجمهور، وهو الانشغال بالهاتف الجوّال. صدر قبل مدة قرار يمنع حمل الجوال في مواقع العمل، وصدرت قرارات أخرى بمنع دخول الهواتف الذكية مواقع القطاعات العسكرية، لكنني أعتقد أنه يجب أن تكون هناك عقوبات تطول أي شخص يستخدم الجوال أثناء العمل. يمكن أن تعتمد كل مؤسسة حكومية سياسة تجاه استخدام الجوّال في مكان العمل، لكن المهم أن يطبقها الوزير والنائب والمدير العام ومدير الإدارة لتطبق على البقية. يجب أن تمنع السياسة حمل الجوّال إلى مواقع الحراسة بالنسبة للعسكريين.
لاحظت أخيراً قيام ''نزاهة'' بتوزيع مكافآت لمَن ساهموا في الإبلاغ عن حالات الفساد. يمكن أن تعتمد الهيئة أيضاً على الصور التي تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، ويمكن أن تحدد موقعاً يُحمِّل من خلاله مشاهدو السلوكيات الفاسدة صورهم ومقاطعهم، وتكافئهم عليها أيضاً. يمكن أن تصدر الهيئة تقييماً لمستوى الفساد في كل وزارة ومؤسسة وهيئة، فكشف الفاسدين خطوة مهمة في معالجة الفساد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي