فنيات الوقوف بعد الرصيف الأحمر

يلاحظ كل من يمر بمدينتي عملاً تنفذه البلدية بكل حرص وحماسة، وهو تغيير جميع الأرصفة إلى نوع معين و لون موحد وهو اللون الأحمر. بدأت هذه العملية منذ سنين قليلة، وكان البعض يستغربون هذا الإجراء، الأغرب من ذلك أن بعض الطرق كان يرصف بالرصيف العادي، وخلال فترة لا تتجاوز أشهرا يعاد رصفه بـ ''البردورات'' الجديد. أصدقكم أنني أعتقد أن الألوان السابقة أفضل، هذا عدا عن كونها تتماشى مع تعليمات المرور، وأساليب الوقوف التي تعلمناها كشرط للحصول على رخصة القيادة.
فكرت ذات مرة بالمساكين الذين بالكاد حفظوا ما يعنيه الرصيف عندما يكون مدهوناً باللون الأبيض و الأسود، وما يعنيه اللون الأصفر والأسود كيف سيحلون أحجية اللون الأحمر الذي لا وجود له في كتب تدريب القيادة. ثم تذكرت أن أغلبنا لا يؤمنون أصلاً بإشارات تحذيرية أكثر خطورة، مثل علامة الوقوف وأفضلية السير، بل حتى عيون القطط التي تنتشر عند التقاطعات لتعلم الناس كيف يتصرفون عندما يكونون في مسار معين.
في محاولتي كشف خيوط الأحجية، بدأت في مراقبة طريقة رصف السيارات، لكنني اكتشفت أموراً أكبر من تفكيري المحصور في لونين ولوحات طرق. لاحظت أن لكل وقت من اليوم طقوس إيقاف خاصة، ولكل موقع من المواقع أسلوب مختلف. إليكم شرح نظريتي الجديدة عن إيقاف السيارات في الأوقات والأماكن:
ـــــ فإذا اقترب موعد إغلاق المحال للصلاة، فالوقوف مسموح كيفما اتفق. أي أنك يمكن أن تشاهد ثلاث سيارات تقف خلف سيارتك وأنت خارج من المحل، ولك أن تغضب أو تكبت غيظك حتى يصل من يسيطرون على قدرتك على التحرك. يمكن أن تتوقع منهم إشارة بالرأس على شكل السلام، وإن كان الشخص مجاملاً فسيصحبها بابتسامة، أما إذا كان مهذباً فسيقول ''معليش يا شيخ، عطلناك''، وليس هناك من رد على هذه العبارة فصاحبها سيركب سيارته ويتركك تكلم نفسك فلا تفعل. وهناك من لا يفعل أياً مما سبق، إنما يركب سيارته وكأنه لم يرك في الأصل.
- أما إذا كان الوقت هو وقت الغداء أو العشاء فإن أهم القواعد هي تجنب مواقع مطاعم الكبسة في الغداء، ويضاف إليها مطاعم الساندويتشات ''خصوصاً الشاورما'' في العشاء، لأن الوقوف سيكون بطول الشارع بأكمله، وسيبقى الجميع بانتظار حصول آخر الواصلين على وجبته.
- أما في الأوقات الحرة التي لا يوجد فيها كم كبير من السيارات، فالأسلوب المنتشر حديثاً هو أسلوب الوقوف لمسافة تزيد على خمسة أمتار عن الرصيف، هذا ليس لحماية لونه الأحمر الجميل من أن يتعكر بلون الإطارات الأسود، وإنما لضمان عدم إغلاق المخارج من قبل أي شخص. وليس مهماً أن تراعي حرمة المسار الأيمن في الشارع فهو يعتبر موقفا أصلاً.
هذا ما كان من حال الزمان أما من ناحية الأماكن، فهناك مجموعة قواعد حديثة تخص كل مكان على حدة:
ـــــ فعند المساجد مثلاً يمكن الوقوف في الأيام العادية على طريقة ''مبارك'' الإبل أي على شكل خط مستقيم كل سيارة خلف الأخرى حتى يتقاطع الصف مع الشارع، ثم يأتي شخص جديد، يبدأ خطاً جديداً وهكذا. يقوم بعض السائقين بإيقاف سياراتهم بشكل معترض خصوصاً أمام مدخل المسجد لإعطاء الانطباع أنه حاول الابتعاد عن المدخل، هو في الواقع يريد أن يتخلص من عقدة وقوف شخص آخر يأتي بعده، لكن الآخر يأتي ويسد طريق خروجه، فينتظر.
- أما عند مساجد الجمع، فمع دخول الإمام يسمح بالوقوف في الشارع الرئيس ذي الأربع مسارات مع إبقاء مسافة تكفي لمرور سيارة واحدة، فإذا أقيمت الصلاة، يتم قفل الشارع على طريقة ''مبارك'' الإبل ــــ المنوه عنها أعلاه. على أن المغلقين المتأخرين يكونون في حاجة لأداء أربع أو ست ركعات بعد الصلاة والسلام على جيرانهم وزملائهم، ثم الرد على ما فاتهم من مكالمات الجوال. فتبقى ''المبارك'' على حالها لمدة يمكن أن تصل إلى نصف ساعة بعد الصلاة في الخط الأوسط ليكون عبور الشارع نوعاً من فن المراوغة الاحترافية بالسيارة تفادياً للسيارات ''الباركة'' ــــ أقصد الواقفة.
ـــــ أما عند المدارس فتلك حالة مختلفة، الكل هنا يحاول أن يصل إلى أقرب نقطة من الباب الرئيس للمدرسة، خصوصاً مدارس البنات، وهم معذورون لأنهم لا يريدون أن يشاهد من في السيارات الأخرى ''الدرر المصونة'' التي ستركب السيارة معهم. لتتحول منطقة مواقف السيارات إلى حالة ''تشابك''، ويغادر الجميع في وقت واحد، ماعدا ذلك الذي وقف على بعد 50 متراً من هذا الازدحام فهو يغادر قبل الجميع.
ــــ عند قصور الأفراح تتكرر حالة المدارس لكنها أقل حدة بسبب أن أكثر الحاضرين هم من الأقارب و يستطيعون أن يحلوا مشاكل مثل هذه.
جرني الحديث عن الأرصفة و ألوانها لحالات وقوف السيارات، إن تغييراً كهذا يمكن أن يتبع في الحدائق أو المنتزهات. لكن أن نغير الأنظمة المرورية ونكون الوحيدين تقريباً في هذا، فالسبب لا بد أن يكون مقنعاً. أتمنى أن تشرح البلديات للناس لماذا نضطر لتركيب أرصفة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها لا تتحمل أبسط الصدمات ولا تتماشى مع أنظمة المرور، وليست جاذبة أصلاً؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي