Author

تقرير الصندوق.. مؤشرات تنموية وأسعار الطاقة

|
أصدر صندوق النقد الدولي مطلع الأسبوع الجاري تقريره السنوي عن أداء الاقتصاد السعودي. أتى التقرير ضمن دور الصندوق في تبادل وجهات النظر الثنائية مع أعضائه من الدول حول التطورات الاقتصادية وانعكاساتها على استدامة التنمية. يمكن الاطلاع على النسخة العربية من ملخص التقرير على الرابط التالي: http://www.imf.org/external/arabic/np/sec/pr/2013/pr13256a.pdf. وعلى الرغم مما قدمه التقرير من ذكر لعدد من التوجهات الإيجابية لمستقبل الاقتصاد السعودي، إلا أنه قدم توصية بزيادة أسعار الطاقة بهدف الإسهام في تقليص الطلب على منتجاتها، ويتيح في المقابل للقطاع الخاص والمستهلك التكيف مع الأسعار الجديدة. وعلى الرغم من أن التقرير لم يراع الانسيابية في المعلومات التي أدت إلى ذكر هذه التوصية، إلا أنه من الأهمية الأخذ بوجهة نظر الصندوق ومقارنتها بوجهات نظر متعددة لنخلص إلى خلاصة أكثر واقعية عن مستقبل الاقتصاد السعودي. من الدراسات الجديرة بالمدارسة في هذا الجانب دراسة صدرت حديثاً بهدف تطوير مؤشر اقتصادي للتعرف على الموجة الاقتصادية التي يمر بها اقتصاد محلي بهدف الوقوف على واقع العملية التنموية لديه ومعرفة مدى تأثره بالتطورات الاقتصادية في الاقتصادات التي يرتبط معها ارتباطا وثيقاً. صدر المؤشر العام الماضي في إحدى دراسات صندوق النقد الدولي تحت عنوان ''مؤشرات جديدة لمتابعة النمو الآني''. اعتمدت عملية تطوير المؤشر على قراءة شهرية لعدد من المؤشرات التنموية لـ 32 اقتصادا متباينة درجات نموه من اقتصادات متقدمة إلى نامية. من أهم هذه المؤشرات التنموية ثقة المستهلك، ودراسات الثقة بمزاولة الأعمال، وإحصاءات مبيعات التجزئة، وإحصاءات الإنتاج الصناعي، وإحصاءات الاستيراد والتصدير، وأسعار صرف العملة الوطنية، ومعدلات الفائدة، وأسعار الأسهم، ومستويات الدخل، ومعدلات البطالة والأجور، ومؤشرات أسعار المواد الغذائية، ومعدلات التضخم. جمعت هذه البيانات التاريخية لـ 32 اقتصادا متقدما وناميا بشكل شهري للأعوام العشرة الماضية. من ضمن الاقتصادات الـ 32 الاقتصاد السعودي عن اقتصادات الشرق الأوسط، والاقتصاد الكازاخستاني عن اقتصادات وسط آسيا، واقتصاد جنوب إفريقيا عن اقتصادات إفريقيا، واقتصادات الصين واليابان والهند عن اقتصادات المحيط الهادي، واقتصادات ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة عن اقتصادات أوروبا، واقتصادات الولايات المتحدة والبرازيل والأرجنتين عن اقتصادات الأمريكتين. دمجت هذه البيانات التاريخية الشهرية في قالب واحد باستخدام بعض المعادلات الحسابية بهدف الوصول إلى رقم يوضح المرحلة التي يمر بها هذا الاقتصاد أو ذاك، ودرجة التأثر بالتطورات الاقتصادية في الاقتصادات الأخرى. قسّم الرقم بعد ذلك إلى أربع مراحل نمو اقتصادي ومرحلتي انكماش اقتصادي لتشكل في مجملها ست مراحل مختلفة توضح كل مرحلة طبيعة النمو الاقتصادي لكل اقتصاد من الاقتصادات الـ 32. سميت أعلى هذه المراحل مرحلة ''نمو متين''، فمرحلة ''نمو تصاعدي''، فمرحلة ''نمو طبيعي''، فمرحلة ''نمو متواضع''، فمرحلة ''انكماش متواضع''، وأخيرا مرحلة ''انكماش شديد''. ترجمت بعد ذلك التصنيفات المرحلية للـ 32 اقتصادا إلى خريطة زمنية توضح مراحل النمو الاقتصادي للـ 32 اقتصادا خلال الأعوام العشرة الماضية بشكل شهري؛ لاستخدامها كمنظور مشاهدة لمدى العلاقة بين مراحل النمو الاقتصادي في الـ 32 اقتصادا. توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج تتعلق ببداية الأزمة المالية العالمية الأخيرة وأوائل الاقتصادات التي دخلت في مرحلة ''انكماش شديد'' وتوقيت هذا الدخول، حيث أسهمت الأزمة المالية في إدخال اقتصادات الولايات المتحدة واليابان وإيطاليا في كانون الأول (ديسمبر) 2007 وبشكل مفاجئ مرحلة ''انكماش شديد'' بعد أن كانت هذه الاقتصادات الثلاثة في مرحلة ''نمو متواضع''. انضم إلى قائمة الاقتصادات المتأثرة بالأزمة المالية العالمية بعد ثلاثة أشهر في آذار (مارس) 2008 اقتصادات المملكة المتحدة وإسبانيا والبرتغال. ثم تبع القائمة بعد شهر واحد في نيسان (أبريل) 2008 اقتصادات ألمانيا وفرنسا ولترفع عدد الاقتصادات المتأثرة بالأزمة المالية العالمية إلى ثمانية اقتصادات. تبعها بعد ذلك بشهر في أيار (مايو) 2008 الاقتصاد التركي، ثم بعد شهر آخر في حزيران (يونيو) 2008 اقتصادات المكسيك وكوريا الجنوبية والسويد، ثم بعد شهر آخر في تموز (يوليو) 2008 الاقتصادان التشيلي والروسي. عقب ذلك بشهر في آب (أغسطس) 2008 انضمت اقتصادات كندا والبرازيل وأستراليا وجنوب إفريقيا إلى قائمة الاقتصادات المتأثرة بالأزمة المالية العالمية. شهدت قائمة الاقتصادات المتأثرة بالأزمة المالية العالمية في أيلول (سبتمبر) 2008 انضمام اقتصادات فنزويلا والدومينكان واليونان لترفع عدد الأعضاء إلى 21 اقتصادا. واتسعت القائمة في تشرين الأول (أكتوبر) 2008 إلى 26 اقتصادا بدخول اقتصادات الأرجنتين وبيرو والأكوادور والأوروجواي وكازاخستان. من ضمن نتائج الدراسة كذلك للفترة الزمنية لمرحلة ''انكماش شديد'' التي أصابت الاقتصادات الـ 26 أعلاه، حيث شهد اقتصاد الولايات المتحدة واليابان وإيطاليا أطول مرحلة ''انكماش شديد'' بقضائه 13 شهرا في هذه المرحلة من بداية كانون الأول (ديسمبر) 2007 حتى نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2008. وشهدت اقتصادات أستراليا وكازاخستان والإكوادور أقصر مرحلة ''انكماش شديد'' بقضاء ثلاثة أشهر فقط في هذه المرحلة خلال الربع الثالث من 2008. من ضمن نتائج الدراسة أيضا عدم دخول اقتصادات السعودية وكولومبيا والصين وإندونيسيا والهند مرحلة ''انكماش شديد'' خلال الأزمة المالية العالمية واكتفائها بدخول المرحلة الأعلى منها فقط، ''نمو متواضع'' خلال فترة تأثير الأزمة. تقودنا نتائج الدراسة إلى النظر بشكل منفرد لمراحل نمو الاقتصاد السعودي، آخذين في الاعتبار استدامته عندما حمي وطيس الأزمة نهاية 2008 بمحافظته على الثبات في مرحلة ''نمو متواضع''. أشارت الدراسة إلى تطور مراحل نمو الاقتصاد السعودي بدءا من أيار (مايو) 2009 عندما انتقل من مرحلة ''نمو متواضع'' إلى مرحلة ''نمو طبيعي''، واستمراره بها حتى آذار (مارس) 2010 عندما عاد إلى مرحلة ''نمو متواضع'' مرة أخرى وبقائه بها حتى اليوم. تقودنا نتائج الدراسة حول مراحل نمو الاقتصاد السعودي إلى النظر في المستقبل. فالاقتصاد السعودي مر خلال الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية بمرحلة نمو وازدهار اقتصادي عمت معظم أفرعه. وأسهمت مرحلة النمو هذه في زيادة عائداته وتسجيلها مستويات تاريخية جديدة. ساعدت هذه الإنجازات الاقتصاد السعودي على امتصاص التداعيات السلبية للأزمة المالية العالمية والتقليل من تأثيراتها في نموها الاقتصادي. وعلى الرغم من أن المؤشرات تشير إلى الخروج من تداعيات الأزمة المالية العالمية، إلا أن العودة إلى مرحلة ''نمو متواضع'' خلال الفترة القليلة السابقة تستوجب التأكيد على البدء بإعادة هيكلة السياسة المالية السعودية من خلال إعادة ترتيب الأولويات بما يضمن الوصول إلى مرحلة ''نمو متين'' في المستقبل القريب، بعون الله تعالى وتوفيقه.
إنشرها