أطباء يجب احتضانهم
أشكر كل من سأل عن قريبي الذي واجه أزمة خلال الأسبوعين الماضيين، بسبب تعرضه لحالة انسداد جزئي وكلي في ثلاثة شرايين. تذكرون أن الأطباء قرروا أن الرجل في حاجة إلى عملية جراحية ''فتح صدر''. اجتمع الضغط النفسي مع الألم الجسدي فتسببا بالتعاون مع أزمة عدم وجود جراح في حال لا يحسد عليها له ولمحبيه. متأكد أنكم تريدون معرفة بقية القصة، وإليكم سؤلكم.
فكر المريض وتداول مع أسرته الرأي فقرروا أن الرياض هي مركز الطب وأنه من الأولى أن يذهب إلى الرياض. كان قد حصل على موافقة من مركز الأمير سلطان لطب وجراحة القلب في المستشفى العسكري. توكل على الله وسافر إلى الرياض، بعد أن استعد نفسياً لتلك الجراحة التي يخافها كل من وعد بها.
وصل المريض إلى الرياض، وتم إجراء الفحوص اللازمة. ثم جاءت المفاجأة التي لم يكن أكثرنا تفاؤلاً يتوقعها. ''لست في حاجة إلى جراحة، فالانسداد يمكن أن نتعامل معه بواسطة القسطرة، ومن ثم ندعم الشرايين من دون جراحة''. أجرى قريبي القسطرة وخرج بعدها بيوم معافى، أسأل الله أن يديم عليه عافيته وأن يهب لكل مريض سؤله من الشفاء.
السؤال الذي حيرني وحير كل من تابع الأمر هو: كيف يقرر طبيب هنا بأن الجراحة لا مناص منها. ثم يقرر طبيب في مكان آخر أن العملية لا داعي لها من الأساس؟ ثم لو وضع الرجل نفسه رهن مشرط الجراح هنا وأجرى العملية التي لا يحتاج إليها فما نتيجة ذلك على حياته؟ ومن يأخذ له حقه ممن اتخذ هذا القرار الجائر؟
ذكر لي أخي أن هذه الحالة منتشرة، ومن ضمنها أن سيدة مرت بالحالة نفسها وخضعت للجراحة التي بقيت بعدها رهينة الفراش ما يقارب شهرين، وأصبحت تعاني السكري، وتستخدم أدوية لا يمكن أن تتركها طول حياتها. ومر زوجها بالحالة نفسها وهو مدخن ويكبرها بأكثر من عشر سنوات. فقرر له الأطباء العملية الجراحية نفسها، فتوجه لإجراء الجراحة في الرياض، ولكنه لقي الجواب نفسه هناك: لا حاجة إلى الجراحة، القسطرة تؤدي الغرض.
كم من الناس مروا بالتجربة نفسها؟ وهل أجرت الوزارة أي تحقيق في أمر مثل هذا؟ لا أعتقد! لكن الأهم أن الناس سيفقدون ثقتهم بالمستشفيات البعيدة، ويتجهون للمستشفيات المركزية. ستزيد نسبة الأخطاء الطبية على ما هو حاصل اليوم. سترتفع ساعات الانتظار، وستصبح الطوارئ أقساماً للتنويم. وبالتالي ستتدنى كفاءة الخدمات الصحية، على أن زيادة السكان في المملكة مطردة وأغلبية السكان تحت سن 25، وهو تحدٍ يجب أن يقض مضاجع كل مسؤولي الخدمات هنا.
قادنا النقاش في هذا الحال إلى أمراض أكثر تعقيداً مثل السرطانات التي انتشرت في كل مناطق المملكة وأصبحت خطراً لا يمكن تجاهله. ذكر أحد الحضور أن هناك معالجاً في محافظة الطائف يقوم بالتعامل مع ''الغرغرينة'' وهي سرطان العظام الذي يؤدي إلى بتر الساق. يخضع ما يقارب 8 في المائة من مرضى السكري لعمليات بتر الساق نتيجة الغرغرينة، وتزيد نسبة المصابين بمرض السكري على 20 في المائة من سكان المملكة وهذا يؤدي إلى زيادة عمليات البتر كعلاج للغرغرينة.
يذكر تقرير علمي أن ثلثي من يجرون عمليات البتر لا يعيشون لأكثر من خمسة أعوام بعد البتر. قامت الكثير من المستشفيات بإنشاء أقسام خاصة بالقدم وجروحها ضمن مراكز علاج السكري، إحساساً منها بأهمية معالجة مشكلات القدم التي تعتبر بداية للإصابة بالغرغرينة. أسأل الوزارة أين هي من تبني هذا المعالج ومنحه الفرصة لتقديم ما يعرفه، بل فتح عيادة له ينفع من خلالها العباد.
هناك أنواع من العلاج غير التقليدي الذي تهتم به دول كثيرة، بل إن بعض الدول تفتح كليات للطب يدرس فيها العلاج غير التقليدي، وتعطي الفرصة فيها لمن برعوا في مجال معين لتقديم معرفتهم وتوثيقها للاستفادة منه بعد أن يفقدهم المجتمع.
لعل الجميع يذكر عدداً ممن لديهم مهارات في مجالات علاج غير تقليدية. ذكر لي أحد الإخوة أن صديقاً له لم يترك مكاناً بحثاً عن علاج لشلل أفقده القدرة على المشي، وعند عودته من ألمانيا وفقده الأمل، قرر المرور بتركيا. عندما رآه أحد العاملين على الكرسي المتحرك، دله على معالج بارع في مجال الأعصاب. ذهب الرجل إلى المعالج، وعاد وهو يمشي على قدميه.
ثالث موجود اليوم في منطقة عسير، ذكر لي أخوه أن لديه قدرة على علاج الشلل الناتج عن إصابة الحبل الشوكي من خلال عملية بسيطة لا تستغرق دقائق، ودون تدخل جراحي.
ما دام هناك إصابات لا يستطيع الطب التقليدي التعامل معها، وما دام هناك من يستطيع بطرق بديلة وغير تقليدية وبنجاح فلماذا لا تبحث الوزارة عن هؤلاء المعالجين وتتبناهم وتوثق علمهم، وتدير عملية استقطابهم والإفادة منهم بطريقة علمية كما هو حاصل في الكثير من دول العالم؟