عفواً لبنان .. لم يعد في القلب مكان (1 من 3)

يفاخر أغلبية اللبنانيين بأنهم الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي. رغم أن أسماء أعضاء مجلس النواب اللبناني وعائلاتهم هي هي منذ عرفناها، وأسماء الوزراء هي هي منذ عشرات السنين، لا يتغير في الوضع سوى إضافة ابن فلان أو نسيب علان أو زوجة فلنتان. ديمقراطية تحكمها العائلات، ويتهافت فيها كل الدجالين والمخادعين والكذابين لإرضاء هذا التيار أو ذاك.
يتربع ''ملسونوها'' على قمة البرامج الحوارية و''يلهفون'' الأموال من القنوات ومن ''معلميهم'' كما يسمونهم في لبنان. ديمقراطية مبنية على الفئوية والمذهبية والعرقية، وهي أكبر ما يخالف الديمقراطية ''الحقة''، التي تساوي بين الجميع. بل إن الأغلبية البرلمانية اليوم تحاول أن تكرس الفئوية والعداء المذهبي والديني من خلال عدم إعطاء المواطن الحق في اختيار من يريد أن ينتخبه إلا إذا كان من فئته أو دينه أو مذهبه، يا لها من ديمقراطية!
يتبع ''ملسونو الإعلام'' الدولار والريال والدينار والتومان، حيث ظنوا أنهما، ولاغرو في ذلك، فلبنان بلاد التجارة، والمال يحرك الأفواه لتوصل ''اللقام'' إلى الجوف. يظهر ''الملسونون'' على شاشات الخليج مداحين للخليج، ثم ما يلبثوا أن يظهروا في شاشات إيران يسبون ''المشايخ'' و''البعران'' و''العربان'' و''الخيمة'' و''البترول''، وتخلف الخليج الذي يستمر في إرسال ''اللقام'' إلى أجوافهم.
ولأن ''الملسونين'' خبراء في الدجل والكذب وتحوير الحقائق التي يعرفها كل من يشاهد، فهم يقترفون كل يوم خطيئة في حق دول الخليج، خصوصاً المملكة. ثم يذهبون إلى مموليهم فينالون أجرهم بقدر ما أهانوا هذه الدول. لكن من ممولو هؤلاء الذين يحقدون كل الحقد على المملكة بالذات؟ وكيف أصبحوا كذلك؟ ولماذا؟ هذا ما سأحاول أن أفهمه معكم في هذه المقالة:
- من الممولون؟ يمول عمليات السب والشتم والخيانة الرخيصة عدد من الجهات. أولى هذه الجهات إيران التي تسيطر اليوم على الحكم في لبنان بقوة السلاح ''المقاوم''. مهزلة المقاومة هذه خدعت الكثيرين وبنت على الحلم العربي الذي لا ينظر أهله إلى الوقائع، إنما يتعاملون بالعاطفة المحضة التي تحوِّل الهجوم إلى دفاع، وتجعل الهزيمة انتصاراً مؤزراً. مساهمة إيران في إنماء لبنان هي عسكرية بحتة بتسليح الشيعة ليقتلوا السنة ومن يعتقد غير ذلك فليراجع تفسيره للأمور، ويخدمها الملسون الأكبر حسن.
حزب البعث العربي الاشتراكي (فرع سورية) الممول الثاني لهذه الحفلات، وهؤلاء الكتاب والمحاورون الأفذاذ. وهو يحسن اختيارهم بالمراقبة المستمرة لظهورهم وأساليب عملهم. يحسن - كذلك - في الإبقاء على ''ولائهم'' من خلال الخوف المحض. يمارس النظام السوري عمليات الاغتيال والتصفية الجسدية لكل من يعارضه، ويعلم هؤلاء ''الأبواق'' أن هذا هو النظام المتبع فـ''يبلعون العافية'' - حسب المثل السعودي.
السياسيون اللبنانيون الذين لم يتمكنوا من إقناع دول الخليج بأهمية دورهم أو لم يحصلوا على ما يكفي من المال لاتقاء شرهم هم عنصر ثالث. على أن حيلة هؤلاء انطلت على السعودية قبل وأثناء وبعد مؤتمر الطائف، لكن استمرارهم في التسول، وربط ذلك بالتهديد والوعيد بالسب والشتم والإساءة للمملكة جعل الموقف منهم يتبدل.
توقفت السعودية عن الدفع فانفلت هؤلاء من عقالهم، وانطلقوا في حملة إساءة وتقليل من القيمة وعض للأيدي الكريمة الطاهرة التي تمتد للبنان بمناسبة ومن دون مناسبة بالعون والمال والودائع المصرفية، وللمواطن السعودي والخليجي الذي هو عماد سياحة لبنان بعد أن فقد لبنان ميزته التي تجذب الأجانب.
هؤلاء السياسيون هم من الدهاة - في الواقع، ويستطيعون أن يجعلوا من الحبة قبة أو حتى مزاراً كبيراً. خدعوا الكثيرين، ومنهم قطر، التي لم تلتفت إلى تحذيرات المملكة من سوء إدارة الأزمة في لبنان، فانطلقت تبني وتعمر وتصلح وتوفق بين الناس، حتى رأت أولئك الذين كانوا يثنون على السعودية يسبونها. عندها أدركت قطر أنها ستكون الفريسة القادمة، تحجم الدور القطري بعد أن كان ملء السمع والبصر في لبنان.
انسحاب قطر كان سريعاً وجريئاً بدأت بوادره منذ مؤتمر الدوحة الذي بدا أنه سيتحول إلى مؤتمر تسول وابتزاز كما حصل في مؤتمر الطائف. وهو ما يعجبني في السياسة القطرية، فهي مستعدة للتوقف في أي لحظة بناء على مصالحها الخاصة، بغض النظر عما يحدث في الطرف الآخر، لكنها لم تسلم من الشتم والسب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي