الفاقد من الدراسة في الخارج

تعمل البلدان الغنية والمتقدمة بشكل كبير ومتزايد على جذب وتعزيز بقاء الطلبة الدوليين من البلدان النامية الذين يلاحظ عليهم الإبداع بعد إنهاء دراستهم، وهو ما يعرف بهجرة العقول. ربما يتبادر للبعض أن هذه المشكلة الأكاديمية أمر نادر الحدوث أو أنه لا يتواجد كما كان الأمر في القرن الماضي، أو أن الموضوع لا يشكل مشكلة من الأساس. مع ذلك بيّن تقرير ''هجرة الأدمغة أو تحويلها؟'' المنشور في مجلة التعليم العالي الدولي لصيف 2013 أن الموضوع أكبر مما قد يبدو حيث إنه يؤثر في الاقتصاد المعرفي العالمي ويوقف تقدم البلدان النامية والناشئة وبالتالي زيادة احتمال إلحاق الضرر الدائم في تلك البلدان في المستقبل.
يفيد التقرير بأن الدول الغنية تعمل على جذب العقول أو ''سرقتها''، كما فضل الكاتب تسميته، لغرض تغطية المشكلات المتزايدة التي لوحظت على طلبة التعليم العالي فيها مثل المعدلات المنخفضة وزيادة نسب الانسحاب من الجامعة وابتعاد الطلبة بشكل عام عن علوم الهندسة والتقنية والرياضيات. مع ذلك، لا يمكن القول: إن الوضع القائم يعتمد فقط على سرقة العقول وعمل البلدان الغنية على تشجيع المبدعين من الأجانب للبقاء بعد إنهاء الدراسة. فقد بيّن مسح المؤسسة الوطنية للعلوم الأمريكية أن 80 في المائة من طلبة الدكتوراه في تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة يخططون للبقاء في الولايات المتحدة وهذا ما يعرف بهجرة العقول.
على الرغم مما سبق، يبدو أن نسب عودة العقول لبلدانها الأصلية في حركة متزايدة على حد سواء في الدول النامية التي يرتفع اقتصادها مثل كوريا واليابان. وتعمل دول أخرى مثل ألمانيا على محاولة استعادة خريجيها الذين انتقلوا للعمل في الولايات المتحدة، بسبب ارتفاع الأجور والاستقرار الوظيفي في أمريكا. لذا، تعمل جامعات بعض الدول مثل بريطانيا وأستراليا بالدعوة إلى تسهيل أنظمة التأشيرات وتسهيل بقاء خريجي التخصصات العلمية فيها والعمل بها. كما تعمل بعض الدول مثل جنوب إفريقيا بجذب أفضل الأكاديميين عن طريق تقديم رواتب مغرية لهم. من جهة أخرى، بعض الدول النامية والناشئة مثل كوريا وتركيا تعمل على محاولة كسب مواطنيها المبدعين في أماكن عيشهم في الدول المتقدمة. فيلاحظ الكثير تشجيع هذه الدول للمشاركات البحثية وجذب الاستثمارات الأكاديمية والعمل على الاستفادة من مواطنيها حتى لو لم تكسب وجودهم في بلدانهم الأصلية. بسبب ضعف التجهيزات والتسهيلات والأجور المقدمة مقارنة بالدول المتقدمة.
لا توجد حسب علمي إحصائيات تبين نسب الفاقد من متعثرين أو متميزين من برامج الابتعاث في الدول الخليجية الذين استقروا ولم يعودوا إلى دول ابتعاثهم. كما لم ألحظ برامج معلنة تهدف إلى التأكيد على استعادة جميع المبتعثين والحد من الفاقد أو برامج تعمل على استمرار التواصل الوطني مع هؤلاء العلماء أسوة بدول أخرى. ربما يدل هذا الأمر على أن منطقتنا جاذبة وقادرة على استعادة أبنائها المبتعثين، وربما هي قادرة على ذلك، بسبب النمو المتسارع في هذه المنطقة، أو أن هذا يدل على وجود هذه المشكلة لكن لم يتم قياسها أو العمل على إيجاد حلول لها.
مع العلم أن بعض وسائل الإعلام أشارت إلى وجود مواطنين خليجيين وسعوديين يعملون في كندا وأمريكا وبريطانيا، ولم يكن ذلك نتاج مسح شامل، وبالتالي قد يكون حجم المشكلة أكبر مما نتصور. لعلنا نسمع عن مشروع تعاون مع وزارات التعليم العالي ووزارات الخارجية، يدرس هذا الموضوع ويعمل على تشخيصه بدقة ويقدم له حلولا ونستفيد من أساليب الدول الأخرى ونقلل من الفاقد البشري والاقتصادي والوطني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي