الناس والحسد
بالتأكيد.. ومما لا شك فيه أنه داخل كل واحد فينا تراث هائل يختزنه في وجدانه عن الحسد والعين الحسود.. وعندنا ألف حكاية وحكاية عن الحسد.. هذه المشاعر السلبية البائسة.. والطاقة النفسية الغامضة المجهولة الكيف، الذائعة في الثقافات المختلفة، المنتشرة بين عموم الناس، والمختبرة واقعيا في الحياة العملية، والمذكورة نصا في الكتب السماوية، لكن الخلاف ليس في كونها موجودة أم لا.. وإنما كونها مؤثرة في حياة الناس أم لا؟ وإذا كانت مؤثرة فإلى أي حد يبلغ هذا التأثير؟! فعامة الناس يردون معظم فشلهم وإخفاقهم للحسد.. أي كارثة.. أي حادثة فشل في الزواج.. فشل في العمل.. فشل في التجارة.. فشل في الدراسة.. أي عمل لا يرافقه نجاح نرده للحسد.. وكأنه الشماعة التي نرتاح عندما نعلق عليها فشلنا وإخفاقنا.. بل يصبح الحسد أحيانا تفسيرا ممكنا جاهزا لكل إخفاقاتنا.. وحينما تتشاجر الزوجة مع زوجها تكون جارتها الحسود الحاقدة هي السبب! بغض النظر عن الأسباب المنطقية والعقلية لخلافاتهما العائلية.. وإن رسب الابن في الامتحان ليس سببه خيبته الثقيلة وتكاسله عن المذاكرة وقيامه بواجبه الدراسي كما يجب وإنما حسد جارتهم "أم سعاد"!!
وهكذا نجد لأنفسنا مبررات تمحو عنا كل إحساس بالفشل ويتحول الأمر لسبب كوني لا قبل لنا به مثل شروق الشمس وغروبها وتفجُّر البراكين والزلازل، وترتاح الزوجة من محاسبة نفسها.. ويمتنع الابن عن الدراسة باجتهاد لأنه محسود يا عين أمه.. بمعنى أن البشر يرحبون بالشيء القدري الذي يعفيهم من الإحساس بالذنب ومسؤولية التغيير.
نعم الحسد موجود وذكر في القرآن ولكن في موضع أغلب ذكره كان تفسيرا لعدم إيمان المشركين واليهود بالدين الجديد وبالنبوة الساطعة، قال تعالى: "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله".. "حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق".. صدق الله العظيم.
والحسد كما عرِّف هو تمني زوال النعمة عن المحسود.. إن لم يعد للحاسد مثلها بخلاف معنى الغبطة وهو المقابل للحسد ولكنه الحسد المحمود كما عرّف.. أي تمني مثلها من غير زوالها عن المغبوط، أي نفرح بنجاح وتوفيق الآخرين.. نفرح لهم ونتمنى أن نعيش فرحتهم.
نعم الحسد موجود لا أحد يستطيع أن ينكر وجوده.. ولكن ليس من المنطق أن نبرر فشلنا أو إخفاقنا وقلة حيلتنا وعدم القيام بواجبنا على أتم وجه بأن الحسد وراء هذا الفشل.. لأن هذا الإحساس سيدفع لمزيد من الفشل.. وكفانا الله شر الفشل!!
همس الكلام:
"مسألة طبيعية أن يحسد المغمورون مشهورين.. وهذا بعض ثمن الشهرة".