دعم الأعمال الصغيرة (1 من 2)
قرر صديقي أن يدخل عالم الأعمال بعد أن غادر وظيفته الحكومية. الرجل متخصص في مجال هندسي دقيق، وعمل سنين طويلة مع أكبر الشركات الأمريكية والأوروبية في القطاع الذي خدم فيه. توقعت أن ينجح مسعاه عندما جمع زملاءَه ذات مساء ليتخذوا قراراً مهماً. كون مع تلك المجموعة شركة صغيرة تطمح للعمل في مجال فيه كم غير قليل من النمو والمشاريع الحكومية ''خصوصاً''. كان هذا قبل ثلاث سنوات ولا تزال الشركة تواجه صعوبات تنظيمية وقانونية وإجرائية. زودني صديقي بمجموعة من المعضلات التي يواجهها هو وشركاؤه، من ضمنها:
- عدم وجود أنظمة حكومية تحمي الشركات الصغيرة من الشركات الكبيرة. هذا يجعل المنافسة بين الطرفين غير عادلة فتكلفة الإنجاز بالنسبة للشركات الكبرى منخفضة مقارنة بالصغار، بسبب توافر الهياكل التنظيمية والدعم من قبل الشريك الأجنبي، وإمكانية الاستفادة من الموارد المتاحة في تنفيذ أكثر من مشروع.
- الأنظمة الحكومية كنظام المنافسات والمشتريات الحكومية لا تدعم الشركات الصغيرة، وهي الحال نفسها بالنسبة للقطاعات شبه الحكومية أو الخاصة. ولا يوجد أي فقرة نظامية تعطي نسبة مشتريات أو مشاريع محددة للشركات الصغيرة.
- تعاني هذه الشركات إشكالات مع المصارف في التمويل والدعم، وتكاد المرونة تنعدم بالنسبة لقروضها.
- تحظى الشركات الكبيرة بميزات وأسعار تفضيلية من قبل كبار مصنعي المعدات والأنظمة، أمر تحتاج إليه الشركات الصغيرة، لكنها لا تحصل عليه بسبب فروق الكميات ومفاهيم التسويق والمنافسة.
- يضاف إلى ذلك الحصول على تسهيلات في الدفع للشركات الكبيرة. بينما يشترط على الشركات المتوسطة والصغيرة الدفع مقدماً في حالات كثيرة.
هذه بعض المشاكل التي تعترض طريق المبادرات الصغيرة التي ينفذها أبناء الوطن، فإذا قارنا ذلك بما يقدمه نظام الاستثمار الأجنبي، فسنصل إلى نتيجة أن الشركات الصغيرة تعاني أضعاف ما تعانيه أي شركات في الحجم نفسه في دول أخرى.
نتكلم هنا عن الشركات التي لا يتجاوز رأسمالها عشرة ملايين ريال. هذه الشركات كانت وما زالت في كثير من الدول مصدر الأفكار والإبداع والاكتشافات وأمثلة ذلك كثيرة، بل إن أغلب الشركات الكبرى التي تسيطر على السوق اليوم بدأت كشركات صغيرة وبفكرة تبناها شخص أو مجموعة وأعطوها الحياة لتكون ''مايكروسوفت'' أو ''فورد'' أو ''أبل'' أو ''جوجل''. شركات هي اليوم بحجم دول بدأت في مرآب أحدهم أو مختبر آخر.
نسبة فشل أو إقفال الشركات الصغيرة دليل مهم على عدم نضوج الاقتصاد، أو فشله في استيعاب احتياجات المجتمع. تصل نسبة نجاح الشركات الصغيرة في الاقتصاد الأمريكي إلى 85 في المائة في أول سنة و تنخفض النسبة إلى 35 في المائة بعد عشر سنوات. إن هشاشة هذا القطاع وصعوبة إدارته وما يواجهه من تحديات هي ما يؤدي إلى فقدان الشركات الصغيرة الفرصة للبقاء. أهم أسباب فشل هذه الشركات هو سوء التخطيط وعدم كفاءة إدارة الاستثمارات وانعدام الخبرة في السوق.
ترتفع هذه النسبة بشكل كبير في الاقتصاد السعودي، وضعها صديقي عند 80 في المائة من السنة الأولى، وهي نسبة مخيفة ''إن صحت''. يعزى هذا الفشل إلى أسباب قد تكون مختلفة بشكل جذري عما هو حاصل في دول أخرى. أهم أسباب فشل هذه الشركات في اقتصاد المملكة هي:
- المنافسة الجائرة: حيث تنافس الشركات الكبيرة صغار المستثمرين في كل المجالات، وليس هناك أي تشريع يمنع الشركات الكبيرة من دخول أي مجال. تجد أن هناك شركات تعمل في مجال العقارات والحاسبات الآلية والإعلام وبيع التجزئة، وكأنها شركات قابضة ولكن بمفهوم مختلف تماماً. يضاف إلى ذلك أن الكثير من المنافسين هم من الأجانب الذين يمكن أن يستثمروا وقت أكبر في العمل، وحصلوا على فرص تعليمية و تدريبية في اقتصادات أكثر تنافسية من الاقتصاد السعودي، إضافة إلى قبول نسب ربحية أقل بكثير من المستثمر السعودي الذي يسعى لسد احتياجه والتزاماته، وهي أضعاف التزامات الأجنبي.
- دراسات الجدوى: تنفذ الكثير من الشركات دراسات جدوى بدائية وغير مفصلة، أو مستعجلة، حيث ينجذب المستثمر لشكل المشروع أكثر من واقعيته وإمكانات تنفيذه و قدرته التنافسية. يقوم البعض بتنفيذ مشروعات يقلدون فيها ما يرونه في اقتصاد آخر أو سوق مختلفة. وهو أمر قد لا ينجح لدينا لاختلاف المعطيات.
- إشكالات التمويل: وهي مما يعانيه الكثير من المستثمرين بسبب كثرة الشروط و انعدام المرونة واضطرار البعض لرهن أملاكهم للحصول على قروض تضغط على ميزانيات الشركات بسبب المدة الزمنية المتاحة للسداد. أعرف أن بعض الجهات تقدم قروضاً وتطالب المستثمر بالسداد خلال فترة لا تتجاوز سنتين وهي مدة غير كافية بل هي مرحلة تأسيس تحتاج إلى التمويل وليس السداد.
- انعدام الأنظمة الحكومية الداعمة: كما أوضحت في مستهل المقال.
- تعاني هذه الأعمال سوء الإدارة أو عدم كفاءتها بسبب إشكاليات الخبرة أو التخصص.
- يسهم في فشل الأعمال الصغيرة سوء اختيار الموقع الذي تدار منه أعمال الشركة وهو ما يستلزم الكثير من المصروفات السفرية، ويرفع أسعار العمالة المستخدمة، ويكلف في عمليات النقل من وإلى مواقع الشركات والمصانع والأسواق.
- تواجه الشركات الصغيرة إشكالية ابتعاد أصحاب المشروع عنه في أحيان كثيرة وهو ما يؤدي إلى تراكم المشكلات وصعوبة حلها.
- إضافة إلى عدم اعتماد معايير معقولة لنجاح الأعمال وهذا لا بد أن يبنى على معلومات دقيقة عن الوضع الاقتصادي وكفاءة الأداء في القطاع الذي تعمل فيه الشركة.
في الحلقة الثانية نتحدث عن عوامل دعم ونجاح الأعمال الصغيرة والمتوسطة وأهميتها.