المدرب السعودي .. والتأهيل
شاركت خلال عملي في القطاع العام لفترة محدودة عضواً في لجنة التدريب. تقوم اللجنة بمهام روتينية في أغلبية القطاعات، ولها إضافات وبصمات مهمة في قطاعات أخرى. كل هذا يعتمد على قناعات قيادة القطاع، ومدى اهتمامها بتحسين كفاءة العمل، من خلال تطبيق التدريب داخل القطاع وخارجه. يعرف العاملون في المجال حجم التحديات التي لا بد أن يخوضها القطاع في سبيل ضمان تطوير الأداء بهذه الطريقة السحرية.
يحقق التدريب المبرمج والمبني على معلومات دقيقة عن الموظفين نتائج كبيرة تظهر آثارها في المنظومة فوراً، شريطة أن ينطبق على البرنامج التدريبي مجموعة من الشروط منها:
- ارتباطه بمجال عمل الموظف: إذ لا فائدة من تدريب الموظفين على مهارات لن يستخدموها في مكان العمل. هذا ينطبق على بعض القطاعات التي تتعجل في تدريب الموظفين قبل أن يحين وقت استخدام المهارات التي تدربوا عليها. كأن يكون الموظف في المرتبة الثامنة ويحصل على دورات في مجال القيادة الاستراتيجية مثلاً. وقد يسمح القطاع بحصول أشخاص على دورات دون الرجوع لملفاتهم، وهو من الأمور المنتشرة.
- ارتباط التدريب بأهداف القطاع: وهذا يعني أن تكون إدارة الموارد البشرية ملمة بالأهداف الخاصة بكل إدارة وأهداف القطاع بشكل عام لتتمكن من تحديد الاحتياجات التدريبية وجدولتها بالطريقة التي تتوافق مع تقدم تنفيذ خطط العمل.
- توازي المسار التدريبي مع المسار الوظيفي: وعندما تكون المنظومة قادرة على تخطيط مستقبل الموظف بطريقة علمية، سيكون من السهل تأهيل الموظفين لشغل الوظائف التي يخطط لتكليفهم بها من خلال التدريب الاحترافي.
- تنويع الأساليب والمواقع: يسهم هذا في ضمان نقل أكبر قدر من المعرفة إلى موظفي القطاع. الاعتماد على المحاضرات فقط لا يمكن أن يحقق الأهداف المرجوة، ولهذا تأتي أهمية ورش العمل والتمارين التجريبية والتدريبات في ضمان التطبيق العلمي للمعلومات. يضاف إلى هذا أن عقد الدورات في مواقع خارج منطقة عمل الموظف يسهم في تغيير البيئة ودعم استيعاب أكبر للمعلومات.
- تقييم التدريب: يجب أن تعد الموارد البشرية مجموعة من الوسائل لتقييم التدريب والمدربين، يمكن أن تستخدم نماذج التقييم، وإرسال المقيمين للحضور مع المتدربين، إضافة إلى تنسيق إجراءات نقل الخبرات والمعلومات للمتدربين سواء من خلال التقارير الفردية أو المحاضرات وورش العمل الجماعية التي يتأكد من خلالها القطاع أن التدريب يحقق الأهداف التي نظم لتحقيقها.
- التطوير المستمر: يبنى على عمليات التقييم العلمية تنفيذ التعديلات التي يحتاج إليها البرنامج أو المسار أو الخطة التدريبية ككل. يمكن أن يتم ذلك من خلال تعديل المواد التدريبية، أو البحث عن مدربين أكثر كفاءة، أو شركاء قادرين على تحقيق التعديل المطلوب. على أنه من الممكن أن يقوم القطاع بتطوير مهارات شركائه التدريبيين واقتراح مدربين وبرامج أكثر ملاءمة لاحتياجاته.
ومن المهم أن تعمل القطاعات على ضمان أكبر قدر من الفائدة من خلال الربط بين واقع العمل والتدريب، فوجود برامج تدريبية معينة في دولة أخرى، لا يعني تطبيقها بالضرورة في المملكة. يأتي هذا بسبب اختلاف بيئة العمل والأنظمة الحاكمة سواء في القطاع الخاص أو القطاع العام. كما أن من المهم أن تعمل القطاعات على ضمان سرية المعلومات والمحافظة على علاقة ثقة بين الجهة التدريبية والقطاع.
يأتي الاهتمام بهاتين النقطتين في موقع مهم اليوم مع التطور الهائل في وسائل التواصل ووجود الأجهزة الذكية في كل مكان. الأمر الذي يستدعي أن تطور القطاعات علاقتها مع الجهات التدريبية، وتعمل على استيعاب أفراد القطاع لأهمية السرية في التعامل مع المعلومات المتاحة لهم. كما يسهم دعم ولاء الموظفين للمنشأة وأهدافها في تحقيق الحماية المطلوبة للمعلومات والتقنيات والخطط.
إن وجود مدربين سعوديين على مستوى عال من التأهيل العلمي والعملي أمر يثري كل العناصر التي وردت هنا. أقابل الكثير من المتخصصين الذين تركوا الوظيفة للعمل في القطاع الخاص أو تقاعدوا مبكراً أو بعد سن الستين، وهم يحملون مؤهلات علمية عالية، ولديهم قدرات ممتازة في مجال التدريب لكنهم لا يحصلون على فرص عمل في المجال الذي يكتظ بالمدربين الأجانب الذين يقدمون في أغلبية الحالات ''سيرا ذاتية'' غير دقيقة.
تفضل شركات التدريب العنصر الأجنبي لحسابات مالية بحتة، لكنها في واقع الأمر تغفل أموراً مهمة في هذه الأثناء، فقد شكا الكثير من الجهات الأمنية، وأولها مكتب المباحث الفيدرالية الأمريكي، من انتشار عناصر التجسس وبيع المعلومات في المنشآت التعليمية بشكل عام، وشركات التدريب بشكل خاص.
يضاف إلى ذلك أن عنصر التدريب السعودي يكون قد مارس الأعمال في شركة أو قطاع حكومي في البيئة الإدارية والتنظيمية والتشريعية والاجتماعية نفسها. يسهم في نجاح المدرب السعودي كونه حصيلة جهد طويل من التدريب والتطبيق، خصوصاً أولئك الذين شغلوا وظائف تطبيقية وتنفيذية، لأن لديهم القدرة على الربط بين النظريات والتطبيق على أرض الواقع.
أرى أن من المهم أن تدعم كل المنظمات في القطاعين العام والخاص إعطاء الفرصة للسعوديين للعمل في مجال التدريب من خلال إعطاء الأولوية للمدرب السعودي عند المفاضلة بين العروض المقدمة لتنفيذ البرامج التدريبية، واقتراح أسماء مدربين سعوديين سبق أن عملوا أو تعاملوا مع القطاع، واشتراط تكليف مدربين سعوديين لدورات معينة. إضافة إلى قبول أسعار تزيد بنسبة 15 إلى 20 في المائة مثلاً, لمصلحة الجهة التي يقدم التدريب فيها سعوديون. وهو ما يحقق سعودة قطاع مهم لم تصل نسبة السعودة فيه إلى أكثر من 10 في المائة.